علي بن سالم كفيتان
في إطار حديثنا عن تطور البناء المؤسسي البيئي في السلطنة ختمنا المقال السابق بأن حقبة سبعينيات القرن الماضي كانت هي الأكثر استحداثاً للمؤسسات البيئية وكأنها كانت فترة تنقيب عن الشكل الأمثل للمؤسسة المثالية التي تستطيع أن تقود المشهد البيئي في السلطنة فظل مكتب مستشار حفظ البيئة بينما ألغيت هيئة حماية البيئة واستحدث مجلس لحماية البيئة بينما كانت الصورة مختلفة تماما في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات التي سوف يتطرق لها هذا المقال.
في فبراير 1982 صدر قانون حماية البيئة ومكافحة التلوث الذي كان إحدى ثمرات مجلس حماية البيئة وبذلك صدر التشريع الأكثر شمولا للقضايا البيئية التي تعنى بها السلطنة ولعل الحدث الأبرز كان إنشاء وزارة للبيئة في مايو 1984 حيث كانت ترجمة واضحة لحرص حكومة صاحب الجلالة على أهميّة البيئة بأن يكون لها وزارة مستقلة كانت هي الأولى عربياً وفي ديسمبر 1985 دمجت وزارة البيئة مع موارد المياه وفي ديسمبر 1991 أُلحقت وزارة البيئة بوزارة البلديات الإقليمية وفصل عنها قطاع موارد المياه وتم حل مجلس حماية البيئة ونقلت اختصاصاته وموظفيه إلى الوزارة الجديدة (وزارة البلديات الإقليمية والبيئة) لا شك أنّ هذا الحراك المؤسسي كان في صالح الاهتمام بالشأن البيئي فظل حاضرا وبقوة خلال تلك المرحلة التي صاحبتها طفرة اقتصادية كبيرة أثرت على المقومات البيئية للسلطنة فعلى سبيل المثال لا الحصر أقدم المجتمع المحلي في ظفار وخاصةً في الأرياف في تلك المرحلة على إيجاد مستوطنات وتجمعات سكانية جديدة قريبة من الخدمات الحكومية وبما أن مواد البناء لم تكن متوفرة فقد استعيض عنها بمواد البناء المحلية وأبرزها أخشاب الأشجار المحلية فتم قطع الكثير من الأشجار المعمرة وخاصةً أشجار الزيتون البري المعروفة محلياً (ميطان) وغيرها لسد الحاجة الملحة لبناء مساكن وحظائر للحيوانات وفي فترة وجيزة تم القضاء على نسبة 50% من هذه الأنواع التي كانت تشكل الغطاء الشجري الرئيسي للمناطق الأكثر ارتفاعاً في جبال ظفار وكانت تقوم بأدوار هامة في دحر التصحر واستقطاب الضباب.
مِن الجدير بالذكر أن نشير هنا إلى إنشاء لجنة التخطيط للتنمية والبيئة بمحافظة ظفار في مايو 1984 أي في نفس الشهر الذي أنشئت فيه وزارة البيئة حيث أوكل لها التخطيط البيئي والتنموي بالمحافظة تحديد استخدام الأراضي لمختلف الأغراض الرعوية والسكنية والزراعية وحتى اختيار نمط البناء المعتمد في المناطق الريفية وأنجزت اللجنة بالتعاون مع خبراء من مختلف المنظمات العالمية دراسات قيمة تعتمد على الأسس العلمية الدقيقة للنظم البيئية والسكان واقترحت حلولا مبكرة لنمط الاستخدام المستدام للأراضي وخاصة في أرياف ظفار التي تمثل 80% من التنوّع البيئي في السلطنة وحدد مرسوم إنشاء اللجنة أن تكون برئاسة وزير الدولة ووالي ظفار آنذاك وعضوية عدد من أصحاب المعالي والجهات البيئية المعنية. إنّ المطلع على نتاج هذه اللجنة يأسف لحلها وعدم الاستفادة من آلاف التقارير والدراسات التي أنجزتها بمهنية عالية والتي لو طبقت لما وصل الأمر إلى ما هو عليه اليوم في جبال ظفار من نشاط مضطرد للتصحر ونمط عشوائي للسكن، وأشكال منفرة لنمط العمران والتشييد وقد ألغيت اللجنة في نوفمبر 1993 وآلت جميع دراساتها وموظفيها وسجلاتها للجنة العليا لتخطيط المدن.
في مايو 2001 دمجت وزارة البيئة مع البلديات الإقليمية والبيئة قبل أن تصبح مستقلة مجددا في سبتمبر 2007 تحت مسماها الحالي (وزارة البيئة والشؤون المناخية). إنّ هذا الاستعراض لتطور البناء المؤسسي البيئي في السلطنة يمنحنا الصورة الكاملة مع كل ما صاحبها من سعي حثيث لوضع الاعتبار البيئي ضمن سلم الأولويات الحكومية وكذلك معرفة النقاط التي يمكن الاهتمام بها اليوم والتركيز عليها للمرحلة الحالية والمراحل المستقبلية وهذا ما سوف نتطرق إليه في مقالنا الأخير من هذه السلسلة بإذن الله.
حفظ الله عُمان وحفظ سلطانها وشعبها الوفي المعطاء وحفظ لنا بيئتنا العُمانية خالية من كل المنغصات.