في المَلَكــــــــــوت


فرج الضوى - مصر

 

في المَلَكوتِ، سَوفَ أنامُ بيْنَ أَكُفِّ الله
وسأحْكِي له كثيرًا
وأتحدّثُ مَعَه حديثًا طويلا
سأخبِرُه عن كلِّ شيءٍ آلَمَني
مِن يومِي الشاق
حتّى آلامِ أقدَامي
غصةِ القلبِ
وحدتي /  حَديثي معَ نفْسي / جنوني / طيبتي  
قَلبِي الضعيف الذي لا يَتحمّلُ الحِقدَ والأسَى
ولا يَستطيِعُ البُغضَ بِضْعَ ثَوَانٍ
رنينِ الهواتفِ / ضَغطِ العملِ / ضِيقِ ذَاتِ اليَدِ / مَلابسي القديمة
حُلمِي المتكررِ / خَوفي مِن الغَدِ / خَوفي مِنَ المَجهولِ  
انتظَاري لشيءٍ سَعيدٍ لَمْ يَأتِ بعدُ
غُربتي رغمَ كَثرةِ الأصدقاء
رَغبتي في الرحيلِ بعيدًا
إلى ذلك الشاطئِ الذي بَاتَ لا يَعرفُني
وموجهِ الذي بَاتَ يَضنُّ علىَّ بالنسيم
الشوارعِ التي ألِفُتُهَا، والآنَ أصبَحتُ أتوهُ فيها
لأنها ببساطةٍ تَغيّرتْ، تَغيّرتْ ملامِحُهَا
وأصبَحَتْ تُحدِّثنُي بِلُغَةٍ لَمْ أعُدْ أعرِفُهَا
وأنتَجَتْ أُناسًا كثيرين لا أعرفُ وجوهَهم،
ولا أعرفُ مِن أيْنَ جَاؤوا، مَتَى جاؤوا، أبناءُ مَن هُم!
ذَاكَ الزمان المُريح الذي كنّا نَلعبُ فيهِ أمامَ مَنازلِنا طيلةَ اليومِ،
وآبَاؤنَا يُقيّلونَ في ارتياحٍ
تَارِكِيننَا أمامَ عينِ جَدّي سريعِ الغَضَب
وعَين جارِنَا الذي يُبِيعُنا الألعابَ والحلْوَى بألوانِها الطفوليةِ البريئةِ
شَمْسِ الأصيلِ وارتياحِها فوقَ جدرانِ البيوت
نسمةِ المَغيبِ في شُرفَةِ العَمِّ فوقَ أريكتِه
أولِ لِقاءٍ لي بحَبيبتي، أولِ هَديةٍ أحضرتُها لَهَا
أولِ كَلمةٍ بَدأتُهَا بِهَا
السرِّ الخَفِيّ في قَلبي عنَها
ذَاكَ الإحساسِ الفَسيحِ بِداخِلِ صَدري،
وتِلكَ الفَراشاتِ التي كانت تَطيرُ دَاخِلي
كان فَسيحًا مِثلَ بَراحِ الكون
كانَ هادئًا هدوءَ البحرِ في انْحِسَارِه
يوشْوِشُني بكلِّ كلمةِ حُبٍ جميلةٍ
كالمَوجِ حِينَ يوشْوِشُ الهواءَ والنسيمَ والأصداف
سَوفَ أقولُ لَه يا رَبّ قَدْ مَرّتْ السنون
وكلُّ شيءٍ تَغيَّرَ فجأةً،
كلُّ شيءٍ  يا رَبّ .. كلُّ شيء
النّاسُ / الشوارعُ  / البيوتُ / الكَلامُ
مُجرِياتُ اليومِ / الطعامُ / المَنامُ / الروائحُ
الألوَاُن / المَقاهِي / السّياراتُ / الطقْسُ / الحياةُ
السّماءُ / الطيورُ / الرمَالُ / خُطوَتي نَحوي  
اتجاهاتِي / إشاراتي / استكاناتي  
ما لا أريدُ أنْ أقول / ما أقولُ  
كلُّ مَا أرَدتُ أنْ يَكون / كلُّ مَا أردتُ ألا يَكون!
حتّى العصافيرُ التي كانت تَنفجِرُ كالبَراكين
في سميفونياتِ الزقزَقَاتِ الأسطوريةِ الحالِمَةِ عِندَ المَغيب
كانت دائمًا تَشدو وتُطرِبُني،
وكنتُ أتأمّلُها كثيرًا،
وأقِفُ أمامَ  الشجَرِ الشاهِقِ
كي أراقِبَها وأحاوِلَ فَكَّ كلِّ رَمزٍ، وكلَّ ترنيمةٍ تَقولُها
هَاجَرَتْ يا رَبّ، إلى أيْنَ؟ لا أدري!
آهٍ أيّتُهَا العَصافيرُ
قَد مَاتَ في الكوْنِ الغِنَاء!  

 

 

تعليق عبر الفيس بوك