الصيام مدرسة خلقية.. وعلى الصائم كف الأذى وألا يقابل الإساءة بمثلها

أحمد الجرداني

يقول سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، حول مشروعية الصيام: حريٌّ بالمؤمن أن يقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الشهر الكريم؛ بحيث يضاعف سخاءه، ويواسي الفقراء والمساكين؛ فإن مشروعية الصيام تنطوي على أكثر من حكمة، ومن ذلك تذكير الأغنياء بحاجات الفقراء والمساكين؛ فإن الغني عندما يذوق ألم المسغبة، ويعاني من الظمأ يتذكر حالات أولئك الذين يقضون سحابة نهارهم وهم يكدحون في سبيل تحصيل لقمة العيش صابرين على الظمأ والجوع، وهذا بطبيعة الحال يؤدي به للسخاء ومواساة أولئك مما منَّ الله تبارك وتعالى عليه من خير.

هذا والصيام مدرسة خلقية؛ فإن الإنسان يكتسب الأخلاق الفاضلة منه، كيف والصائم لا يُطلب منه أن يكف أذاه عن الغير فحسب، بل يطلب منه بجانب ذلك أن يتحمل أذى الغير، وأن لا يقابل الإساءة بمثلها، ففي الحديث الصحيح عن الرسول -صلى الله عليه وسلم: "الصيام جُنة، فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم"، فما أعظم هذا الأدب الذي يؤدب به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته عليه ويخلّقهم به؛ من حيث إنه -صلى الله عليه وسلم- يأمرهم في حال صيامهم بأن يتحملوا أذى الغير، وأن لا يزيد الإنسان إذا تعرض للأذى والمهانة في هذا الشهر عن قوله للذي آذاه "إني صائم"؛ ليذكر نفسه قبل كل شيء بأنه في عبادة مقدسة تتنافى قدسيتها مع التشفي والانتقام؛ وليذكر ذلك الغير الذي صدر منه الأذى بأنه في حال عبادة مقدسة فلا يجوز له أن يصدر منه أذًى في حق أخيه وهو يتلبس بهذه العباده، فإن كان ذلك الغير مسلماً كان ذلك سبباً لإرعوائه ورجوعه إلى الحق، وإن كان غير متلبس بهذه العبادة وذلك بأن يكون من الكفرة الذين لا يؤمنون بهذا الدين؛ فإن مجرد سماع هذا القول يدعوه إلى أن ينظر في هذا الدين، وأن يتأمل في آدابه وأخلاقه، وذلك بطبيعة الحال يدعوه لاعتناقه واتباعه.

وأضاف سماحة الشيخ قائلاً: يا عباد الله، تأدبوا بهذه الآداب الربانية النبوية التي أمركم الله سبحانه وتعالى بها في كتابه وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- لتكونوا من المتقين؛ ولتبلغوا ذروة الفضل والصـلاح.

وعلى المسلمين أن يراعو حُرمات هذا الشهر، وأن ينتهزوا هذه الفرصة الخيِّرة؛ فإنه شهر عظيم يقبل الله فيه توبة التائبين، ويعفو عن سيئات المسيئين بتوبتهم ورجوعهم إليه سبحانه، ويعتق رقابهم من النار، فهو شهر كله خير أوله وآخره، من حرم خيره فقد حرم، جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال أيضاً عليه أفضل الصلاة والسلام: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقد أخبر النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام- بأن هذا الشهر الكريم "تُفتح فيه أبواب الجنة وتصفد فيه أبواب النار وتسلسل فيه الشياطين"، وفي رواية أخرى: "وتسلسل فيه مردة الشياطين"، ويعني ذلك أن على المؤمن أن يتعرض لرحمات الله تعالى في هذا الشهر بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بأنواع القربات؛ فجديرٌ بالمؤمن أن يحيي ليل هذا الشهر بالتهجد بين يدي الله سبحانه، وأن يقضي سحابة نهاره في طاعة الله؛ بحيث يداوم على تلاوة كتاب الله، وعلى ذكر الله، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى مساعدة المحتاجين، ومواصلة الأقربين، فإن جميع أعمال البر تضاعف أجورها في هذا الشهر؛ فقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن "من أدَّى فيه نافلة، كان كمن أدَّى في غيره فريضة، ومن أدَّى فيه فريضة كان كمن أدَّى في غيره سبعين فريضة"، وهذه فرصة يجب على العاقل أن لا يتركها تضيع، وأن لا تمر به مرورا مهملا، بل يجب عليه أن يسارع إلى اغتنامها؛ بحيث يحرص على أنواع الطاعات وصنوف القربات، ويستديم ذكر الله تبارك وتعالى آناء الليل وآناء النهار.

تعليق عبر الفيس بوك