"رقص اللهب" السلبية في مواجهة صعوبات الحياة

...
...
...

 

أمين دراوشة – رام الله - فلسطين

تتناول الكاتبة ليلى حسن في روايتها "حيث رقص اللهب" حياة الشخصية الرئيسية فيها "ماجدة"، فتظهر في البداية كأم حريصة على حياة ابنائها الصغار، وتعيش في بحبوبة من العيش، حتى تبدأ الأمور تتكشف.
كُتبت الرواية بضمير المتكلم مما جعل الرواية أكثر واقعية، حيث السارد ماجدة طوال زمن الرواية، وتخلل الرواية بعض الحوار بين الشخصيات.
في البداية نتعرف إن مكان الرواية أحد المخيمات في غزة، "رائحة الخبز المنبعثة من ضفائر النوافذ الملقاة على أكتاف الجدران في الحارة تشعرني أن معدتي تدغدغني". (ليلى حسن. حيث رقص اللهب. مدينة السادس من أكتوبر: منشورات المكتبة العربية. ط1. 2017م. ص 6)
وتستمر في الكاتبة في الوصف: "قرقعة أواني الطبخ، صوت التلذذ، الهمهمة عند التذوق، والروائح الآتية من كل صوب  في الآزقة الضيقة تخبرك عن نوع الطبخة في كل بيت. الجدران عتيقة، متلاصقة، تتسرب من شقوقها الآصوات والروائح بلا خجل". (ص 6) وتسكن في بناية  تقع عند أطراف المخيم، وتخبرنا الشخصية إنها تعيش في الحارة منذ ولادتها ولم تغادرها قط، حتى بعد زوجها.
وتحب أن ترى جارهم العجوز أبو جمال صديق والدها، أمام دكانه يشرب الأرجيلة، لأن
"رائحة التبغ المنبعثة من الآرجيلة تذكرني بأبي، إذ كان يجلس هنا، وتسمع ضحكاتهما تجلجل في أركان الحارة. في الشتاء تجد موقد الحطب يتوسطهم، وأحاديث الذكريات. (ص 7)
 تزوجت من عماد، وانجبت منه أربعة أولاد، وسافر إلى الخارج للعمل منذ سنوات.
وتتضمن الروايات العديد من الشخصيات، وغالبيتها نسائية تشتكي من حياتها في ظل رجال باردين وأنانيين.
ومن خلال الاسترجاع وتداعي الأفكار، تعود ماجدة إلى الزمن الماضي، وقصة حبها الأول لشادي، وزواجها من عماد مجبرة.
تعرفت على شادي وهي في نهاية المرحلة الثانوية، وهو طالب جامعي بالخامسة والعشرين. والدتها توفت بالمرض القاتل، ووالدها كانت يحنو عليها ويدللها، حتى جاء الوقت، الذي تقدم فيه شادي لخطبتها، وهنا يتدخل شقيقها توفيق ويرفض، لأنه أعطى كلمة لصديقه عماد، الأب الذي حاول أن يثني ابنه عن فعله لم يستطع، وأصيب بجلطة سببت له الشلل، وتجد ماجدة نفسها مجبرة من الزواج، الذي سنكتشف إنه زواج فاشل، فعماد رجل سكير، ويحب النساء، لذا سافر إلى الخارج وغرق في الملذات، حتى أدى إدمانه على القمار إلى سجنه، فعاد إلى غزة، وهو في نفسية محطمة. وكان يضرب ماجدة بعنف، ووصل به الأمر أن طالبها ببيع الشقة من أجل أن يتاجر في المخدرات أو أن يحرمها من أولادها.
تمتلأ الرواية بالشخصيات النسائية الفاشلة في حياتها بسبب الرجال، فالرواية قدمت نماذج للرجل قبيحة وسيئة للغاية (عماد، نبيل، عبد المجيد،...) فظهر الرجل قاسيا وقويا، ولكنه فاشلا على صعيد الحياة الزوجية، فأما عاجزا جنسيا أو شاذا أو عنيفا.
تسكن مقابل جارتها وداد، التي لا تختلط بالناس كثيرا، وزوجها يمنعها من الخروج من البيت، ويضربها بشكل يومي، ثم نعرف إنه تاجر مخدرات عبر الآنفاق.

تقول ماجدة: "صراخ جارتي وداد بدأ باكرا، صوت السوط، وهو يهوي على جسدها، يخرج أنينها من بين شقوق الجدار". (ص 10)
أما صديقتها إيمان فهي بارعة الجمال والأنوثة، ولكن زوجها بارد، لذا تلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعرف على أحد الرجال، فالمرأة في النهاية بحاجة لمن يشعرها بأنوثتها وجمالها.
دعاء لها ثلاثة أطفال تركتهم وهربت عند أهلها في دبي وتركتهم في سوريا لأن زوجها شاذ، وسعاد توفى زوجها واضطرت إلى الزواج من أخ زوجها الكبير لتبقى مع أطفالها.
وصديقتها عبير سمينة، ولم يكن حظها بأحسن من الآخريات فتزوجت من رجل تزوج قبلها ثلاث زيجات وفشلت، وكان زوجها سيصير إلى فشل بالتأكيد.
المرأة الإيجابية الوحيدة كانت أم سليمان الذي استشهد زوجها بقصف الاحتلال للمخيم قبل ثمانية سنوات، والتي ظهرت كمرأة محبة واجتماعية ومحافظة.
فكيف كانت حياة ماجدة؟
تتناول الرواية قضية اجتماعية مهمة، وهي قضية سفر الزوج للعمل في الخارج وغيابه الطويل على بيته وأولاده، هذا يؤدي إلى شعور المرأة وخاصة إذا كانت شابة بفراغ عاطفي، ستحاول أن تملأه بأي طريقة.
فماجدة كانت تشعر بالخواء العاطفي، وكانت تملأه بالتوهمات، بل وصل حالها المزري أن تتخيل نفسها في حضن جارها وعلى سريره وهو تاجر المخدرات الذي يعامل زوجته بقسوة.
منذ أن رأيت زوج وداد،" وخاطر واحد يسكنني...أن يجلدني بدلا منها...أن أكون عارية في فراشها...معه! يا إلهي!". (ص 29) وتنهض مذعورة من هذه التخيلات المخيفة.

في أحد الأيام، تذهب مع أم سليمان لحضور حفل زفاف، وتقابل هناك حبيبها القديم شادي.
وداد شخصية مسالمة، تزوجت من نبيل الذي أحبته دون موافقة أهلها، مما تسبب بجلطة للأب ومات على أثرها، وأخيها سافر بعيدا بعد الحادثة لأنه شعر بالعار، وبعد أن تخلت عن أهلها، اكتشفت إن نبيل ليس إلا تاجر مخدرات، تزوجها طمعا في أموالها.
وبعد سنوات من الزواج الفاشل، وكانت قد قررت عدم الإنجاب، تتعرف على ماجدة وأطفالها، فتحس بالسعادة لأول مرة، فتحنو عليهم وتعتني بهم وبجارتها ماجدة.
ماجدة تقابل شادي صدفة عندما خرجت في أحد الأيام ليلا لعلاج طفلها الصغير، وصادفها في سيارته وأخذها إلى المشفى. اخبرها إنه ما يزال يحبها، وإنه لن يتركها تضيع من جديد من بين يديه.
ماجدة الذي رجع زوجها بحالة سيئة، وهو مفلس، بدأ في ضربها، ومطالبتها بأن تطالب بميراثها بعد أن توفى أخوها، وهي ما زالت تكن الحب لشادي وتحتفظ برسائله.
في النهاية، تزورها وداد، تنظر كل منهما إلى الآخر، آثار الصفعات والضرب المبرح يظهر بوضوح على وجهيهما، تقول ماجدة:
""نحن لا نستحق الشفقة، يا صديقتي…أنا وأنت فاسقتان ترقصان حافيتين على زجاج مكسور، نبكي لنلعق الملح من فوق أحمر شفاهنا…بتلذذ حزين… لعلنا لا نتقن الدور جيدا، ولكن ضجيج الجمهور وهتافه يجعلانا نواصل الرقص…". (ص 124)
ففي النهاية لا أحد يستطيع مساعدتهما إذا لم يساعدا نفسيهما "هناك لحظات من العمر تجد فيها أن جيوبك فارغة من الحياة، وربما تجد نفسك قد سقطت من إحدى شقوقها على أسفلت صلب... رنين سقوطك سيلفت انتباه المارة، ولكن لن ينحني أحد لالتقاطك. (ص 156)
تخبرها وداد إن عليها ترك البيت اليوم كي يهدأ زوجها، وأعطتها رسالة وابلغتها أن لا تفتحها قبل الغد.
في الليل وعند اجتماع زوجها مع زوج ماجدة لمناقشة اعمالهما في تجارة المخدرات، تحضر لهما الشاي وتضع فيه المخدر، وبعد ذلك تشعل النار ليموت الجميع.
تمر ماجدة عند أبو جمال صديق والدها، يسألها أن كانت بخير، وترد "أنا بخير"، بعد أن رأت شادي يحمل ابنه ويقف على الرصيف المقابل.
الرواية أو عمل أدبي للكاتبة، أظهرت به موهبة بتمكّنها من اللغة، وسردها السلس، وتجميع خيوط الحبكة.
وأأخذ على الكاتبة عدم الاهتمام بالمكان، في بداية الرواية وصفته بشكل جميل ثم أختفى، وكون الكاتبة من قطاع غزة كان يمكن للمكان أن يلعب دورا محوريا في الرواية، ويؤثر على الشخصيات التي كان من الممكن تطويرها وتصويرها بشكل أعمق، فشخصية عماد تستحق أن نقف عندها، ونبين الأسباب الذي جعلته ينحرف، ويتوه في حياة اللهو والمخدرات، وتفصيل أكثر عن حياته في الغربة، ويمكن مقارنة حياته في حياة شادي الذي عاش في نفس المكان إلا أنه نجح سواء في بلده أم بالخارج، وبالتأكيد كان من اللافت عدم اهتمام الكاتبة بالاحتلال وأثره على حياة الشخصيات والتحكم في مصيرها.
ظهرت كل الشخصيات سلبية باستثناء شادي، وردود أفعالهم سلبية أيضا في مواجهة صعوبات الحياة، وكانت شخصية وداد إشكالية، وكان يمكن للكاتبة الاشتغال أكثر عليها، لأنها بدت بالنسبة لي هي الشخصية القادرة على اتخاذ مواقف قوية، فهي تزوجت دون موافقة أهلها، وعاقبت نفسها بقسوة لأنها أخطأت كثيرا بحق من تحبهم، ولا شك إن قرارها التخلص من حياتها وأن تأخذ معها (نبيل وعماد) قرارا ينم عن شجاعة وضعف في آن.
تكشف الرواية عن موهبة بحاجة إلى الدربة والممارسة في عالم لا يعرف السكون والتوقف.

 

تعليق عبر الفيس بوك