ألم يُفكر أحدكم أن يعقد صلحا مع ذاته؟


د. فوزية البدواوية – سلطنة عمان


مُنظمات عديدة يتم تأسيسها من أجل تحقيق السلام بين الشعوب, أموال طائلة تُنفق, جُهودٌ تُبذل, أوقاتٌ تُقضى وقادة متفرغون تماما لنداءات السلام, وغيرهم من أجل الكتابة والإعلان, وتنظيم الدورات والمحاضرات, والأغلب منها بلا فائدة. ولكن ألم يُفكر أحدكم أن يعقد صلحا مع ذاته؟
مصطلح غريب نوعا ما, استحوذ على دهشتي وتفكيري منذ زمن.... بالفعل... هناك تضارب وصراع يحدث بيننا وبين أنفسنا في أحيان كثيرة عندما نفكر بين الواقع الذي نعيشه وقائمة الأمنيات التي نريد تحقيقها, بين التصرفات التي نتصرفها, وتلك المفروضة علينا, بين ما نظنّه صائبا, وبين ما يظنّه المجتمع صحيحا وواجبا علينا, بين الطفل الصغير الذي يقبع في داخلك وبين رسميّات المكان والزمان الذي تُوجد فيه, لذلك تنشأ أنفسنا في أحيان كثيرة في صراع, ونبدأ لومها على أي فعل يستنكره الناس علينا, ونجبر أجسادنا على ارتداء ما لا يعجبنا ارتداؤه فقط حتى لا يعيب علينا الآخرون ولا يتخذوننا علكة الموسم في أفواههم... ذاك الذي لا يتناسب مع آخر صيحات الموضة؛ لأننا للأسف نخشى كلام الناس ونراقبهم أكثر من مراقبتنا لله, ونحرص على إرضائهم أكثر من إرضاءنا لله, وكل هذا على حساب أنفسنا.
يُولد الانسان بالفطرة, ثم يشبّ على عادات وتقاليد لا جذور لها ولا فروع, ومن شبّ على شيء شاب عليه, وليس الأمر متعلّقا بالدين فقط, وإنما بالقناعات وأسلوب الحياة والتعامل مع الآخرين, وغيره الكثير لذلك دائما ما يكون هناك صوت حي للفطرة ينهض أحيانا ويشتعل من أجل صراع كل فكر دخيل مناقض لها, ومن هنا يبدأ صراع الذات, لذلك على المرء أن يتبع فطرته السليمة, وأن يقوّم اعوجاجها, وستتصالح حينها مع ذاتك عندما تتقبلها كما هي بأخطاءها وعيوبها, حيث لا تجلدها عند الخطأ وتبالغ في عتابها والندم, ولا تفتخر كثيرا بما حققت, ذاك الفخر الذي يعمي بصيرتك عن كونك آدمي غير كامل, كما أنه عليك التجرد من اللهاث وراء كلام الناس. سيقولون عني كذا, وسيلومني البعض, وغيره لأن إرضاء الناس غاية من المستحيل إدراكها.
أنا لا أنكر أن الإنسان مدني بطبعه, وهذا يعني أنه كائن لا يستطيع العيش بمفرده, ومتى ما أردت الانضمام لمجتمع ما فعليك بالانصياع لعاداتهم, ونظمهم, حتى لا تكون منبوذا ولا غريبا, ولكن لكل شيء حدود يجب أن تقف عندها, وأن تقول للمجتمع والعادات والتقاليد: لا. بصوت واضح ومسموع عندما يكلّفك الأمر أن تخسر عائلتك... وظيفتك... حياتك أو أي شيء غال على قلبك.
النفس البشرية بطبيعتها في بعض الأحيان تأمرك بالسوء لقوله تعالى: " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ " (سورة يوسف, 53) , والشيطان حين عصى الله لم يكن له شيطان سوى نفسه التي أمرته بالسوء, لذلك حتى تكون متصالحا مع ذاتك عليك بترويض نفسك للبعد عن المعصية والفواحش, فتنام بعدها قرير العين خالي البال صافي الذهن. والله خلق الناس متفاوتين في البنية الجسدية, والقوة العقلية وغيره من المهارات, لذلك ليس من المنطق أبدا أن تقارن نفسك بالآخرين, أو تنتقد الآخرين الذين لا يملكون شيئا من قدراتك, فالاختلاف هنا مبدأ أراده الله لبني البشر حتى يُكمل بعضهم البعض ويساند بعضهم البعض, وليس ليكونوا نسخا متكررة من بعضهم, ولا ريبورتات متماثلة, لذلك حتى تكون متصالحا مع ذاتك عليك إلغاء مبدأ المقارنات من حياتك, والتعقّل في موضوع اللوم والنقد, حتى تحقق نوعا من السلام الداخلي, وترفع راية السكينة والاستقرار.

 

تعليق عبر الفيس بوك