وحدة الفصائل الفلسطينية رأس حربة المواجهة

 

عبيدلي العبيدلي

تتواصل ردود الفعل العربية والدولية تجاه جريمة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتفاوتت تلك الردود بين الشجب الخجول، والمطالبة باتخاذ عقوبات اقتصادية ودبلوماسية من الكيان الصهيوني. لكنها، في جوهرها، تحاشت اتخاذ موقف، مهما كان ذلك الموقف باهتا، فحمل جلها، باستثناء، مواقف قوى ليست ذات أهمية في معادلة العلاقات الدولية، الكثير من التحاشي، بسبب مقصود، وربما غير مقصود، مخاطبة المسؤول عن ذلك الحدث، ومن صنعه على أرض الواقع، وهو الولايات المتحدة الأمريكية.

الأسباب وراء القفز فوق اتخاذ موقف صارم ومؤثر تجاه واشنطن، واضحة، وليست بحاجة إلى الخوض فيها. لكن هناك، بخلاف ما يرى البعض، عنصرا إيجابيا لا بد من التوقف عنده، بشيء من التجرد والموضوعية وبعيدا عن أي انفعال عاطفي، والذي ربما لا يبدو واضحا على السطح، وراء تلك الخطوة الأمريكية، التي من الطبيعي ألا تكون واشنطن تقصده. ذلك العامل هو ما أفرزته تلك الخطوة على أرض واقع الصراع الفلسطيني - الصهيوني. وقد ولد ذلك العامل مجموعة أخرى من الحقائق التي، متى ما تمت الاستفادة منها بشكل صحيح، بوسعها أن تقلب الطاولة في وجه المشروع الصهيوني - الأمريكي الذي يسعى لفرض مستجدات مصطنعة على أرض ذلك الصراع، وتجريعها قسرا للمجتمع الدولي أولا، والقوى الضالعة في الصراع ثانيا وليس أخيرا، بعد وضع الضوابط التي تضمن أن محصلة تفاعل تلك الحقائق تصب في طاحونة مصالح الكيان الصهيوني، واستمرار ميلان كفة موازين القوى لصالحه في أية معركة محتملة يخوضها لتكريس الاحتلال.

يمكن رصد تلك العوامل الإيجابية في النقاط التالية:

  1. بخلاف ما خطط له الطرف الأمريكي – الصهيوني، مدت حركة نقل السفارة الشعب الفلسطيني بشحنة قوية من القدرة الصمود وتطوير أشكال النضال، والاستعداد لبذل المزيد من التضحية من أجل قضيته المقدسة، بتنا نلمسها في طبيعة، وأشكال، وحجم، وأساليب المواجهة، والتي تشهد عليها التضحيات الباهظة التي لم يعد الشعب الفلسطيني مترددا في تقديمها. هذا لا ينتقص من مسيرة هذا الشعب، ولا يقلل من التضحيات التي لم يكف عن تقديمها منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان، لكن ما يحدث اليوم على أرض فلسطين، يشكل نقلة نوعية في تلك المسيرة، وعلامة مضيئة تضاف إلى تاريخ جهاد هذا الشعب وبسالته.
  2. أحرجت العديد من القوى العربية والدولية التي كانت تتستر وراء حيطان من الادعاءات غير الصادقة بشأن موقفها الحقيقي من نضال الشعب الفلسطيني، وعلى نحو أكثر شمولية من الصراع العربي الصهيوني. فكشفت الخطوة الأمريكية عورة من يحاول أن يمسك عصا ذلك الصراع من وسطها، كي لا يخسر مصالحه الضيقة الآنية. وليس المطلوب هنا من الشعب الفلسطيني أن يأخذ موقفا معاديا ممن وقف في طابور هذا الاصطفاف، في معادلة الصراع الفلسطيني الصهيوني بقدر ما يقتضي الأمر وضع كل طرف من الأطراف كافة، في الخانة التي يستحقها، والمكانة التي يريد لنفسه أن يشغلها، دون ردة فعل طفولية من الطرف الفلسطيني.
  3. كشفت تراجع مساحة الحيز الذي باتت تحتله واشنطن في معادلة النزاعات الدولية. فقد أرغمت تلك الخطوة العديد ممن كانت تتوهم الولايات المتحدة أنهم لن يجرؤوا على الجهر بمعارضتها إلى رفض الانحياز الأعمى لمعسكرها، واضطرارهم إلى أخذ موقف مخالف لما كانت تتوقعه منهم الولايات المتحدة. والحديث هنا لا يقف عند مواقف الدول الصغيرة، بل يتناول مواقف دول من حجم بريطانيا السياسي، وثقل ألمانيا الاقتصادي، ومكانة فرنسا الدبلوماسية.
  4. بينت ردود الفعل الدولية أن في وسع الشعب الفلسطيني أن يعيد النظر في رؤيته للتوازنات الدولية، ويقيم، في ضوء نتائج تلك الرؤية، طرق واستراتيجيات نسج تحالفاته الدولية مع قوى ناهضة، باتت تحتل مكانة متقدمة في ميزان القوى العالمية مثل الصين، وربما دول أصغر منها في قارة آسيا، بل وحتى إفريقيا وأوروبا.

على أن كل تلك العوامل سيبقى تأثيرها هامشيا ما لم تسبقها خطوة استراتيجية، لم يعد أمام الشعب الفلسطيني مناصا من الإقدام عليها، وهي نبذ الخلافات المتأصلة في بنية فصائل الثورة الفلسطينية والمنظمات التي تتمتع بعضوية فيها. فما لم تتحقق وحدة الفصائل الفلسطينية، سيستمر التفوق الصهيوني، ليس العسكري فحسب، وإنما السياسي أيضا. فالتمزق الذي ينخر جسد بيت الثورة الفلسطينية، يفقدها الكثير من عناصر القوة الداخلية والخارجية يمكن تلخيص الأهم بينها في النقاط التالية:

  • تشتيت جهود الشعب الفلسطيني، واستنزاف قواه في صراعات داخلية تفقده الكثير من عناصر القوة التي هو في أمس الحاجة لها لمواجهة آلة الحرب الصهيونية، سواء العسكرية منها أم السياسية، بل وحتى المجتمعية والإعلامية.
  • فتح ثغرات واسعة في جدار الثورة الفلسطينية، تبيح الاختراقات، بما فيها الأمنية من قبل قوات عدوة، قبل الصديقة. ولعل في الاغتيالات الفردية التي، عانت منها الثورة الفلسطينية، وذهب ضحيتها العشرات من القيادات الفلسطينية من أمثال الشهداء، يوسف النجار، وأبو جهاد، فيها الكثير من الدروس والعبر التي تؤكد ان تمزق تلك الفصائل هو العنصر الأساس الذي سهل مثل تلك العمليات التي خطط لها الموساد، ونفذتها أياد تعاونت معه.
  • تشجيع القوى الخارجية على تبرير مواقفها الانهزامية والترويج لسياساتها التي تتنصل من خلالاها عن واجبها من قضية الشعب الفلسطيني، تحت مبررات واهية يتصدر قائمتها واقع التمزق الذي تعيشه فصائل الثورة الفلسطينية. ولقد عانت تلك الفصائل من مثل تلك المواقف خلال الاجتياح الفلسطيني للأراضي اللبنانية في العام 1982.

في ضوء كل تلك العوامل، نستخلص أن وحدة فصائل الثورة الفلسطينية سيكون رأس الحرب المطلوبة التي تحقق النقلة النوعية المطلوبة، التي تنقل الثورة الفلسطينية من مواقعها الدفاعية إلى خنادقها الهجومية التي تضعها على طريق النصر السليمة.