خالد بن علي الخوالدي
اختلاف كبير وتباين واضح عند كل حادثة تحدث وبتعمد من دولة الإمارات العربية المتحدة للنيل والمساس بأمننا الوطني والتاريخي والتراثي، فهناك من يدافع دفاعا مستميتا عن وطننا الغالي (عُمان) وهناك من يُنادي بالعقلانية والتزام الصمت والحكمة في التعاطي مع الأمر، وهناك من يأتي من مدخل أن عُمان والإمارات دولة واحدة وشعب واحد ويجب عدم تصعيد الموضوع أو إعطائه أكبر من حجمه، وهناك من يخاف التدخل أصلاً خوفًا من أن تطاله الأجهزة الأمنية للدولة المجاورة بمجرد دخوله لأيّ إمارة من إماراتها، وهناك من يخاف أن ينقطع رزقه وكأنهم هم من يرزقونهم، وهناك من يرى أنَّ أسواقهم ورخص البضاعة فيها يجعلنا محتاجين لهم، وهذه كلها أوهام، فعُمان وترابها وأمنها وتاريخها وتراثها وكل ما فيها خط أحمر وسنُدافع عنها دفاع الذي لا يخاف الموت ولن نتركها لقمة سائغة لمن يشاء ومن يتركها فهو خائن خيانة عظمى.
الوطن كالأم لا أحد يستطيع أن يتخلى عن أمه، الوطن كالأم لابد أن نحفظه وندافع عنه، وهذا الدفاع يكون بالسلاح وبالكلمة وبكل الوسائل المتاحة والممكنة، وإن الذل كل الذل والمهانة كل المهانة عند الخنوع والخوف، وحتى الصمت خيانة للوطن عندما يكون الكلام واجباً، فالصمت جبن عندما يكون صمت خوف وهلع، والصمت يجعل المعتدي يتمادى في غيه وتضيع معه هيبة الوطن ومكتسباته، فماذا استفدنا من الصمت عندما حُذفت محافظة مسندم من خريطة السلطنة، وماذا استفدنا عندما نهب تراثنا عياناً جهارًا؟ واكتنزت به المتاحف والقصور، ماذا استفدنا من الصمت عندما تم التطاول على أمننا وعلى قائدنا؟ ماذا ننتظر أكثر من هذا التطاول؟
وما أن يكتب كاتب أو يتحدث مُتحدث عن ضرورة الحديث والرد القوي على هذه الهجمات المتعمدة إلا ويظهر الصف الخامس الذي يُدافع دفاعاً مستميتاً بأنّ علينا الصمت وإن الرد يجب أن يكون بالمسح على الوجوه والربت على الكتوف وبابتسامة هادئة حتى لا يتحسس أي أحد، وتأتي العواطف بأننا شعب واحد ودولة واحدة ومصير واحد وخليج واحد، وتناسوا بأنَّ الأمر يتعدى ذلك إلى هيبة وطن بناه الأجداد بعرق جبينهم ونأتي نحن ونستغني عنه للغير حتى نجد بعد فترة أننا بتصرفاتنا وتنازلاتنا المُستمرة أكلنا لما أُكل العازي والمهلب وناصر بن مرشد واليعاربة وأحمد بن ماجد ومسندم وتراثنا المادي الذي يهرب يومياً بطرق مختلفة وبتآمر من ضعاف النفوس، وتنطبق علينا قصة (أكلت يوم أكل الثور الأبيض). وقصة (أكلت يوم أكل الثور الأبيض) لمن لا يعرفها تتلخص في أن أسداً وجد قطيعاً مكوناً من ثلاثة ثيران؛ أسود وأحمر وأبيض، فأراد الهجوم عليهم فصدوه معاً وطردوه من منطقتهم.
ذهب الأسد وفكر بطريقة ليصطاد هذه الثيران، خصوصاً أنها معاً كانت الأقوى، فقرر الذهاب إلى الثورين الأحمر والأسود وقال لهما: (لا خلاف لدي معكما، وإنما أنتم أصدقائي، وأنا أريد فقط أن آكل الثور الأبيض، كي لا أموت جوعاً، أنتم تعرفون أنني أستطيع هزيمتكم لكنني لا أريدكما أنتما بل هو فقط)، فكر الثوران الأسود والأحمر كثيراً؛ ودخل الشك في نفوسهما وحب الراحة وعدم القتال فقالا: (الأسد على حق، سنسمح له بأكل الثور الأبيض). فافترس الأسد الثور الأبيض وقضى ليالي شبعان فرحاً بصيده. ومرت الأيام، وعاد الأسد لجوعه، فعاد إليهما وحاول الهجوم فصداه معاً ومنعاه من اصطياد أحدهما، ولكنه استخدم الحيلة القديمة، فنادى الثور الأسود وقال له: (لماذا هاجمتني وأنا لم أقصد سوى الثور الأحمر؟)
قال له الأسود: (أنت قلت هذا عند أكل الثور الأبيض).
فرد الأسد: (ويحك أنت تعرف قوتي وأنني قادر على هزيمتكما معاً، لكنني لم أشأ أن أخبره بأنني لا أحبه كي لا يُعارض اتفاقنا السابق). فكر الثور الأسود قليلاً ووافق بسبب خوفه وحبه للراحة. في اليوم التالي اصطاد الأسد الثور الأحمر وعاش ليالي جميلة جديدة وهو شبعان. مرت الأيام وعاد وجاع. فهاجم مباشرة الثور الأسود، وعندما اقترب من قتله صرخ الثور الأسود: (أُكلت يوم أكل الثور الأبيض). احتار الأسد فرفع يده عنه وقال له: (لماذا لم تقل الثور الأحمر، فعندما أكلته أصبحت وحيداً وليس عندما أكلت الثور الأبيض!).
فقال له الثور الأسود: (لأنني منذ ذلك الحين تنازلت عن المبدأ الذي يحمينا معاً، ومن يتنازل مرة يتنازل كل مرة، فعندما أعطيت الموافقة على أكل الثور الأبيض أعطيتك الموافقة على أكلي(.
هكذا نحن عندما نتنازل يومًا بعد يوم عن مُقدسات وطننا الغالي (عمان) تحت أي مسمى كان، والتنازل عن أي أمر بسيط يقود للتنازل عن أمور أكبر وأعظم، وعمان إشراقة حضارة عمرها آلاف السنين من عمر البشرية لا حق لأحد منِّا أو من غيرنا أن يقتطع من أوصالها ومآثرها وعبق تاريخها شبرًا ولا فلاةً ولا نفحة، ودمتم ودامت عمان بخير.