كيـــف أُخـــبرهــــــم


ديما ناصر - سوريا

 

قالوا: إن ما أكتبه شعراً
كيف أخبرهم أنّه مذاق الخيبة
طعم الزمن ينزّ من خابةٍ عتيقة
لا هي اهترأت
و لا هو انتهى
قالوا: إن لي كلمات سوداء كبذور الشاب الظريف
كليل ينكسر في كأس عرق بلدي
كتكشيرة أم عضّ للتو حلمة ثديها الرضيع
كيف أخبرهم أنّي
خراب
قلمي خراب
وجهي خراب
وكل ما أفعله نثر هذا الخراب...

* هذي أوّل قطرة:
بين الماء والماء
زمن يتدفّق
لو أمعنت الرؤية قليلاً
صرت عيناً
لسماء
كان يكتب بحبر الماء

*الولد - الشاعر -
حفظ عن ظهر قلب
كيف يشقّ بأصابعه مجرى
حتّى تخرج من شفتي الأرض
قصيدة.
 
الولد - الشاعر -
ما زال حبره يجري
حتّى تعرف كيف
تجفّ القصائد
سدّ عليه كل دواة

دون قوله، أخذ البعض يصيح:
- أنا -
أعيش
وفي المدى الكحليّ قطاف غمام
أعصره
حتّى لكأنّ ارتعاشة كل ظلّ
مما أنثره.

* من أقاصي الكلام ...
/هو/
كان أشدّ حضوراً
يتوارى خلف الأشياء
هنا كفّ ترتبك... كيف تتّسع لسلام
هنا أنشودة لمّا تكتمل ناقص منها حرفان
الأوّل لمّا ذهب.. مضى في آخر الريح تحمل معها عطره
الثاني ينتظر عند أوّل الباب
هنا ما زال يعلو العتبة عشب.. يرضع ندى الغياب..

/هي/
قال: بعض عهودها كان
وصل ثم صدّ ثم وصل
مهما تجنّت لا أبالي
كم وددت لو تزور
كما الهلال
هذا عودي كيف رقّ
صرت مجرى وهي حالي
لو تغيب
أذوب فضّة
في كؤوس كالخيال
تدور بين أيادي جهّل
يضيع فيها
حتّى النّعال

كئيبٌ طريقه هذا الغمام.. فوق الصحارى لا ينبت إلّا..

- لا -
مُدّت المائدة
لو عددت ما انتهيت
لو شربت ما ارتويت
نبيذ معتق
في دنّ النكران..

- أيضاً قيامة -
لمّا تدفّق من رحم الأرض مجرى
ترك كفّيه تموج
تعلو
تهبط
صنع للصوت خيوطاً تجرّ الآذان
مرة تراه بعباءة
مرة يلبس قبعة زمانه
أخرى تسمع خشخشة يراعه
لا يعنيه المجرى
لو تتهجّى، قبل ميلاد الرحم
ما كان
ربما، من عطش لوجه النبع
قال: وجهي ستارة
"فوق الصحارى ما زالت تتوالد
لها كانت":

- أغنية -
مكتوبٌ في قوافل الرّيح
المساء ورقة يطويها شاعر بعناية من يحمل آخر مفاتيح الزمان، وقبل أن يخفيها عن كل أولئك الحزانى والمتعبين والتائهين عانقتها ريح ومضت...
إليك
تهبّين حاملة روح الأشياء
تعرّين الوقت
تنشرين الخوف
السأم
الكآبة
تقبّلين كما لو أن كل زفرة
هي آخر أنفاسك
إليك يا أوّل العناصر
أرمي هذي الكلمات

- ريح -
كانت لمّا عبرت فوق الماء
ماج الدّخان الأبيض زبداً
من ذاك الزبد
تتوالد الأشياء

"طاحونة"
كلّ مساء يتوسّد ما كان،
يغفو ومعه أسىً
يشرّعه
جزءاً جزءاً
كل مساء يتركه للريح تدوّره
وتدور الأيام

"منارة"
حجرٌ يعلوه حجر
مذ رفع للأشرعة العابرة
الضوء
والريح تندفع
تموج
تمحو
ما ترك على الشط
من أثر

"سجن"
قديماً
سجنوا جهات الريح الأربع
جعلوها ماء وطين
قدّموا القرابين
غنّوا
رقصوا
مرة حتى تأتي سحابة
مرة نسمة
كي يتفتح برعم
مرة أحنوا الرأس
فهي أصل النار
كان ذلك لمّا نفخوا
وصعد لهب
منذ تلك الأزمان
الجسد محمولٌ
وهي
من كلّ الجهات
تهبّ!

"سحابة"
هناك، رغم سياط الحرب
رجلٌ يعبق في جلده نسل الحنطة
بين عروقه تنفجر رائحة جذلى
ما زال يعود كل مساء
معه أغنية للريح
ما همّ إذا سقط أو ارتفع
كان يغني
ينادي صوتاً
حتى ترتعش كأوّل الحب حجارة
ومن سماء ما
تردّ سحابة

أحمل رأسي، وفي الغبار صدى غواية.. حينما يسقط، عشبٌ يلوّح للرياح...

بقاب قوسين...
قبل أن تمدّني أمواج الحبر بالنسيان
تحملني رياح الخيبة
تتوالد في رحم الذكرى
بذرة
هكذا تتحرّكين
أيتها العالية
لن أحصيك
ابق
نسلاً يصوت مع
كلّ نسمة

(لمّا ينتهي... كل ما تفعله بعض خرائبنا إنّها تعرّينا.. لهذا نحتاج أن نراها)

 

 

تعليق عبر الفيس بوك