حمد بن سالم العلوي
لم ينبسوا ببنت شفة مغردو الفرصة، وذلك يوم فتح مطار مسقط الدولي، واختفوا كذلك عند افتتاح طريق الباطنة السريع، فهذا الصمت العجيب منهم متوقع، لماذا لأنّ ليس لهم دور في الحديث عن هذين الإنجازين الرائعين؟! ولأنهم عودوا النفس على النظر من خلال التشكلات الدخانية الكثيفة المظلمة، ولكن المواضيع العظيمة تسطع كعين الشمس، فتخترق كل الضبابيات التي تثار عمداً للنَّسْج عليها خرافات، وحكايات من فكر خيال مريض.
فقد كتب الأسوياء ومحبو الخير مهنئين ومباركين لعُمان بهذا الفتح التنموي الكبير، وإن ينُوعْ ثمار النهضة العُمانية الخيرة حان حصاده، وما هذان المشروعان الكبيران اللذان يبشران بفتح أبواب واعدة من الخير العميم، وفي عُمان اليوم إنجازات إستراتيجية قوية وثابتة البنيان، فبعضها لم ينجز بعد، ولكنه بنفس المستوى من الأهمية الاقتصادية والتنموية الواعدة، وهي في طريقها إلى حيِّز الوجود، وقد تكون أعظم وأكبر وأكثر أهمية مما أنجز، وميناء الدقم خير مثال على ذلك.
لقد ألجم افتتاح طريق الباطنة السريع، الكثير من الحساد والمنافقين، والناعقين في وسائل التواصل الإجتماعي، لأنهم لم يجدوا ثغرة ينفذون منها إليه بالنقد، فقد تعودنا على ضجيج غير صحي منهم، يرافق أي تقدم تحرزه الحكومة في تطوير البلاد والرقي بها، فهم ينظرون دائماً بالتذمر لكل شيء حسن بغير قصد أو بسوء قصد، ليحبطوا الناس وتشكيكهم في المشاريع القيمة، ويحاولون إلباسه لبوس الفساد والرياء، ونحن كمواطنين وإن كنا نعتب على الحكومة بعض البطء في توضيح خططها وأعمالها لنا، إلا أننا ننزهها عن الفساد المتعمد، وإذا انتقدنا بعض السلوكيات نتيجة الجهل بكنهها، فذلك من حقنا لأننا نرى جانبا واحدا من الصورة، ولكن ليس من حق المندسين أن ينقدوا أحداً نيابة عنا، والعُماني الأصيل تستطيع أن تميزه بسهولة عن المتدخلين خبثاً وحسداً، فمن السمات التي يتمتع به الإنسان العُماني، أنه لا يتلفظ بالألفاظ البذيئة، ولا يتطاول على الأشخاص بالنقد، وإنما ينقد السلوك وهذا أمر مقبول.
إنّ الحملة الإعلامية الشرسة التي تلت اللقاء الدوري بين مجلس عُمان ومجلس الوزراء، لم تكن عفوية ولا بريئة أبداً، وإنما بقصد الإمعان في إحباط الناس، والتشكيك في النوايا الصادقة في سعي الدولة كلها، وليس الحكومة وحدها، وذلك في مسعاها لإيجاد سبل تعالج موضوع التوظيف والتشغيل، فيصورن الأمر على أن الحكومة عاجزة عن حل هذه المعضلة المزمنة، وبالطبع ليست عُمان وحدها متفردة بمثل هكذا إشكاليات، وإنما ما يزعج أولئك الذين جعلوا من أنفسهم خصومة مع عُمان، لا لشيء وإنما لأنّ عُمان آلت على نفسها أن تظل بمنأى عن التبعية المزاجية، وقيادة الغربان وإلا كان مأواها الخراب كما قيل في الماضي.
إنّ السلوك العُماني ثابت ثبوت عُمان عبر الزمن، وإنّ الجيوش الحقيقية لم تزحزح عُمان عن مواقفها، فبالمحتم لن تفت في عضدها جيوش الذباب الإلكتروني الكاذب، وستظل عُمان راسخة رسوخ جبالها الشامخة، ونحن كعُمانيين نعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم، فنحن والله لن نغير ما بأنفسنا من إيمان وإحسان، ولن نفعل ما يغضب الله لا تجاه الخلق، ولا تجاه الأرض والعِرض.
إنّ المجتمعات البشرية لا تخلو من متلكئين ومتذمرين وحتى منافقين، ولكن أيضاً في المجتمعات رواد للابتكار والإبداع العلمي، وهناك فئة قيادية تتبنَّى فعل الخير والإصلاح، وهناك غالبية تتدرج صعوداً لدرجة المثالية، ويقابلها غالبية حسنة تتدرج نزولاً حتى تقترب من فئة المتلكئين، إذن لا يوجد مجتمع نقي لا ليس به شوائب، ولكن يظل العشم في الغالبية من الفئات الخيرة، وأجزم أن عُمان واحدة من الدول التي تنعم بقدر كبير من أهل الخير، والعمل بالمعروف والإحسان، لذلك نقول للأشرار أينما وجدوا أتركوا عُمان وشأنها، فإن كنتم لا تفهمون ولا تقرأون ولا تتذكرون شيئاً عن عُمان بتاريخها القديم والحديث، فعُمان تكرر لكم القول، أنّها لا تتدخل في شأن الآخرين، وفي نفس الوقت لا تقبل من الآخرين أن يتدخلوا في شأنها.
وإن طلبات التشغيل ستظل حاجة ملحة للناس، ولن تحل هذه المشكلة حتى لو أن الحكومة شغّلت كل طالبي العمل، لأن النمو السكاني في ازدياد، ونسب الخريجين بازدياد مضطرد، وإنّ المشكلة ستنتهي فقط، إذا تغيرت ثقافة التوظيف من أجل إرضاء الناس، وغُيّر المنهج إلى دعم الناس في العمل - وهذه الفكرة سبق طرحها - بحيث تقوم الحكومة بدعم الرواتب الضعيفة من الضرائب التي تفرض على الشركات، وكذلك دعمهم في التجارة بالجمعيات التخصصية، والأسواق الشاملة التي ترعاها الحكومة، وذلك حتى يشق التاجر الناشئ طريقه بنفسه، فلما يتمكن يُمَلَّك تلك التجارة بعائد رمزي.
وقد يقول قائل إنّ هذا النظام غير موجود في العالم، وهذا صحيح.. ولكن علينا أن تذكر أن عُمان كانت خارج هذا العالم حتى عام السبعين، إذن فلا بأس أن نعمل شيئا استثنائياً حتى ينطلق قطار التجارة، والأعمال الحرة، لأنّ المواطن قليل الخبرة والمال، لا يستطيع أن يصارع تكتلات الوافدين الذين يدعمون بعضهم بعضاً، وبأموال لا يعلم مصدرها إلا الله وحده، والراسخون في علم المال والاقتصاد والتجارة، وبعد ذلك نرفع التغطية تدريجياً عن التاجر الجديد، فعلى سبيل المثال كان العُمانيون ماهرين في الزراعة، ولكن كانت الحكومة ترسل فرقا تجوب البلدان والولايات، وذلك لاستقطاب جيل الشباب للعمل في الحكومة، وها هي اليوم تشعر بالتخمة في التوظيف، وكذلك قد تأثر العُماني ببعض محيطه الإقليمي، حيث عدد السكان هناك قليل جداً، والثروات من عائد البترول كبيرة جداً، فرُفِّه المواطن في تلك البلاد وأغدق عليه بالمال الوفير، وترك العمل للوافدين فقط، فمثل هذا النهج حتماً سيخلق مشاكل عندما يضعف وارد المال من النفط، وسيتفاجأ الناس أنهم خدعوا بالثروة، كما خدع العُماني بالوظيفة الحكومية.
فنحن في عُمان خدعنا المواطن بالوظيفة أولاً، والآن عندما حصل التشبع، لم نمدُّ له اليد التي تؤهله لتجاوز الوظيفة ونسيانها، فوجد المواطن نفسه وقد جُبل على الإتكالية الوظيفية، والعزوف عن العمل الحر، والخوف من المجهول، والسبب في ذلك كله عدم وضوح الرؤية أمامه، وإن الدعم المالي بالقروض الميسرة ليس حلا ناجعاً، وذلك دون خبرة ومظلة حماية، فهذا الأسلوب لن يساعده للفطام عن الوظيفة، وخاصة لمن وعد بمعاش تقاعدي، يضمن له الرعاية في شيخوخته، وبهذه الحيرة التي نقف أمامها، سيجد المتلكئون والمتذمرون الفرصة المنشودة، وحتى الذباب الطنان الآتي من خارج الحدود، سيجد مادة عسلية للحوم حولها، فأنا لا أطالب بلجم كل عاو بحجر، ولكن أطالب بزيادة التفاعل والشفافية مع المواطن، والأخذ بالأفكار البناءة التي تساعد على طرح الحلول.