نبيه شعبو - سوريا
عادت الأرض تكمل دورة أخرى.....وضاعت في مساربها الفصول وهي ترسم وجه الكون في اختلاط مواقع البرد والقيظ ...حتى غفلت الطيور عن جهات موطنها بعد أن أرهبها الأزيز وغفت على سكة هجرتها.....تأيّن الهواء وأصبح بطعم الصدأ....تبّخر الدم حتى صار سحاباً وانهمر مالحاً في "لقن" العجين ....واشتعل التنور بهباب البارود......والجوع امتلاء مئزر الخبز....غيمة متعبه تلهث في دروب شيخوختها ............ تعثرت بخلخال الريح هوت على ضفاف الحريق ....اندلقت عن كتفها جرار الغيث ...تبللت حقائب الريح وبدت عصبيّة الهبوب ثمَّ استدارت تكسّر أغصان الياسمين لتجعلها ملاقط غسيل تنشر ما تبللَّ على حبال العاصفه .....تسارعت العصافير الظمأى تغمس مناقيرها....لم يكن مطراً....بل أحمراً قانئاً....ارتعبت ....نفضت أجنحتها..... تطاير الرذاذ الأحمر ينقش على صفحة المساء لون الجراح.....تدافعت الأمهات تبحث عن بقايا أولادها ....سال الدمع وراحت العصافير تغسل مناقيرها في عواء الملح .....أطلّت صبيةُ منهكة الأمل حائرة العشق على شرفة الريح تبحث بين خيوط الغسيل عن شال قدّمه لها ذات لقاء قبل الرحيل ....تطايرت الغدائر تلتفّ على قصف الياسمين.....تنهّد العمر من تحت ركام الدمع وظمىء العصافير...يبحث عن وطن مبعثر يعاشر أشلاءه ...والشمل يلتم على شواطئ البحار زبداً من وجع وبقايا أرواح .....ما زلت أسميك البلد الجميل أغفو على ركبتيك تاركأ وجعي معلقا في خاصرتك.....ويباس الضوء جذع مازلت أجهد في تقليمه من كرمة الفجر المعّرشه فوق محطة الأنتظار حيث الظلام مازال يسترخي على عرشه....
