تكاملية دولة المؤسسات

حاتم الطائي

 

≥ التوجيهات السامية لجلالة السلطان ترعى حق المواطن في المشاركة بصياغة وتوجيه دفة سفينة التنمية الشاملة نحو مرافئ النماء والتطور

≥ اللقاء المشترك بين مجلسي الوزارء وعُمان برهان عملي جديد على مبدأ تكامل الأدوار بين مؤسسات الدولة

≥ اللقاء حمل رسائل اطمئنان لكل عماني وعمانية بأن سفينة وطنهم تمخُر عُباب التنمية بكل ثقة

≥ ما تحقق لعُمان ولا يزال هو ثمرة إيمان عميق بقدرتنا وصدق إرادتنا وقدرة إدارتنا على تحقيق العلامة الكاملة للنهوض

≥ الإعلام الوطني المسؤول مقبل على مزيد من العمل من أجل رفعة الوطن ودعم مسيرة النمو والازدهار

 

شرُفت بالمشاركة في اللقاء المشترك بين مجلس الوزراء الموقر ومجلسي الدولة والشورى، وكنت شاهد عيان على ما اتّسم به اللقاء من مشاعر الأخوة الوطنية ومواقف التعاضد والتكامل بين مؤسسات الدولة.. كان لقاءً على درجة رفعية من المسؤولية، ومثّل المواطن محور أحاديث أعضاء المجالس الثلاثة مع بعضهم البعض؛ حيث استهدفت مناقشة سبل مواصلة مسيرة التنمية في ربوع البلاد، وتعزيز آليات توفير الخدمات، فضلاً عن خطط التنويع الاقتصادي وتوظيف الباحثين عن عمل، والكثير من القضايا...

إن مشهد الترحيب الحار الذي حدث بين صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء وأعضاء مجلس عمان، يؤكد مدى العلاقة الوطيدة بين السلطة التنفيذية ممثلة في مجلس الوزراء، والسلطة التشريعية التي يمثلها مجلس عمان بجناحيه؛ الدولة والشورى..

وهذا ما يدفعنا للتأكيد على أن هيكلية الدولة في بلادنا ترتكز بقوة على مجموعةِ ثوابت تَضْمَن تحقيقَ مواءمةٍ حقيقيةٍ بين السُّلطات؛ في إطارٍ من التكاملِ والتعاونِ الهادفِ لخدمةِ الوطن والمواطن، وهي في ذلك تترجم الاهتمام السامي من لدن القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- بوضع لبنات الدولة الحديثة، التي تنبني على أُسس العمل المؤسسي، وتكاتف الجهود، واحترام كل طرف لوجود ودور الطرف الآخر.. وما هذا اللقاء المشترك، سوى ترسيخ عملي جديد لمبدأ تكامل الأدوار بين مؤسسات الدولة، وبرهان جديد يُبرز حجم التعاون المتحقَّق لمُواصلة البناء والحفاظ على صرح النهضة الشامخ تعزيزًا لمسيرة حافلة بالنماء والاستقرار.

والحرصَ السامي على استمرار عقدِ مثل هذه اللقاءات، يعكس رغبةً حقيقيةً في تحقيق درجة أوْسَع وأعمق من مُشاركة مكونات المجتمع في صياغة وتوجيه دفة سفينة تنميتنا الشاملة، بمستوياتها ومجالاتها المختلفة، بفعل ما يُظْهِره من متانة وعمق الترابط والتكامل بين مُختلف أجهزة الدولة ومُؤسساتها -سواءً التنفيذية منها أو التشريعية أو حتى المجتمع المدني- مما يفتح الأبواب مُشرَعة أمام حديث آخر؛ عنوانه مسؤولية تضامنية يتوجب أن يضطلع بها الجميع تجاه حفظ ومواصلة مسيرة ارتقائنا الوطني. وأعني بالجميع الأفراد ومؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني، وهو ما يُجسِّد -في مقابل مفهوم "تكامل الأدوار بين المؤسسات"- مفهوم الشراكة المجتمعية في التنمية؛ حيث للكل دور ومهمة فيها، ضمن حلقات يدعم بعضها الآخر؛ الأمر الذي ينبغي أن نكرِّس جهودنا جميعًا لتوضيحه، ووضع الخطط والآليات التي تكفل تفعيله في واقعنا التنموي.

لقد حَمَل اللقاء المشترك العديد من رسائل الاطمئنان لكلِّ عُماني وعُمانية، بأن سفينة وطنهم تمخُر العُباب بكل ثقةٍ وتؤدة في مسيرة تكلؤها عين رعاية المقام السامي، وتوجيهاته النيرة الحكيمة لحكومته الرشيدة؛ وهو ما نقلته تأكيدات صاحب السمو السيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، خلال اللقاء، على أنَّ توجيهات جلالة السلطان المعظم ستظل مركزةً بالدرجة الأولى على رعاية المواطن في كافة ربوع البلاد، وأن مجلس الوزراء يتابع أولاً بأول تنفيذ المشاريع وتلبية المتطلبات، وأنه يعكف بشكل متواصل على تدارس الأمور التي يطرحها مجلس عُمان، وهو المجلس الممثل تشريعيًّا ورقابيًّا لمختلف فئات المجتمع. تأكيدات سمو السيد فهد التقتْ وبيان مجلس الوزراء الموقر في نقطةٍ محورية أخرى؛ أُعلِنَ من خلالها عن تشكيل مجموعات وزارية تجوب محافظات وولايات السلطنة لدراسة مختلف قضايا المواطنين، في برهان آخر على جَهد حثيث يُبذل من أجل تحقيق ما يصبو إليه المواطن من تطلعات وآمال في غدٍ أكثر إشراقا.

التأكيدات التي صرح بها صاحب السمو السيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بأن الحكومة تعطي الأولوية لمرئيات ومقترحات أعضاء مجلس عمان، تفصح عن الاهتمام الحكومي بما يطرحه ممثلو الشعب ونخبه الفكرية والعلمية في مجلس عمان، الأمر الذي يعكس نهجا ديمقراطيا أصيلا، ويدلل على حجم التعاون الكبير بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وأنهما طرفان أصيلان في معادلة التنمية، يسيران على درب التوجيهات السامية، ويعملان على تلبية احتياجات المواطن في مختلف المواقع..

ولعل من الأهمية بمكان أن أشير إلى إشادة سموه بالإعلام العماني، ووصف سموه له بأنه "نموذج للاتزان وموضع إشادة من الجميع"، وهذا حديث يبرهن على مكانة إعلامنا الوطني المسؤول في مسيرة النهضة المباركة.. وكوني أحد المنتسبين لقطاع الإعلام، أؤكد أنَّ هذه الإشادة تلقي على عاتقنا نحن معشر الصحفيين والإعلاميين بمسؤولية أكبر خلال المرحلة المقبلة، والتي تستدعي مزيدا من العمل الذي يدعم مؤسسات الدولة بما يحقق الغايات السامية التي يطمح لها كل من يعيش على هذا التراب الغالي، ألا وهي سؤدد الوطن.

لقد خرجتُ من هذا اللقاء الوطني المشترك، بقناعة أكثر رسوخًا عن ذي قبل، بتفرُّد التجربة العُمانية بخصوصية شديدة السهولة والتعقيد في آن (أو "السهل الممتنع" كما يُعرفها علماء اللغة)، إيمان القيادة بأنَّ التعاون والتكامل بين مؤسسات الدولة يُرسِي دعائم راسخة تَضْمَن لمراحل النمو تطورًا طبيعيًّا يُلبِّي مُتطلبات كل مرحلة، وأُذُن أخرى تستجيب لحاجة أبناء المجتمع بما يواكب تطلعاتهم نحو مزيد من الإسهام والمشاركة في صُنع القرار؛ ضمن رؤى واعية وخطوات تنفيذية واعدة.. لذا، لا نبالغ عندما نقول إن نهجَ الحكمة العُماني، في إدارة الملفات الداخلية والخارجية، إنما هو مدرسة في فلسفة السياسة؛ يُحقِّق نجاحات داخليًّا، ويصنع إنجازات في الخارج.. إنها بحق منظومة متكاملة، وحلقات يُكمل بعضها البعض، وفق نموذج وممارسة مُتزنة ذات سمت مُميز من الترابط والتكامل بين جميع الأطراف.

وقد أصَّل هذا النموذج الفريد -وبشكل مدروس- أركانَ عُمان العصرية.. دولة السيادة والقانون، بمؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية والرقابية، والمجالس المتخصصة، وجهاز إداري يتمتع بالقوة والقدرة على مواكبة التغيرات، ومجالس بلدية ومجتمع مدني، أثمر عمليًّا ما نعيشه اليوم من استقرارٍ ورخاء، وأمنٍ وأمانٍ، ومكانةٍ دولية مرموقة، واقتصادٍ واعدٍ، وسياسةٍ داخليةٍ مميزةٍ إقليمياً، وعربيًّا، بل ودوليًّا. إذ هُيئت لعُمان وتوفرت -على مدى سنوات النهضة المباركة- كل الممكِّنات التي تعينها لتصبح دولةً عصريةً يُضرب بها المثل من حيث التقدم والاستقرار، بفضل سياسةٍ متبصرةٍ ورشيدةٍ رسم خطوطها حاكم البلاد المفدَّى.

إن اللقاء المشترك بين مجلسي الوزارء وعُمان، صاغ دليلا جديدًا على أنَّ ما تحقق لبلادنا من نجاحات ملموسة من قبل أجهزة ومؤسسات الدولة في شتى المجالات، إنما هو ثمرة إيمان عميق بقدراتنا وصدق إرادتنا ونجاعة إدارتنا في تحقيق أعلى معدلات ممكنة للتنمية، وهو ما وضع المواطن أمام مسؤولية مضاعفة تجاه واجباته، كي يُواصل الجميع بناء عُمان الحديثة لتحتل مكانتها المرموقة بين الدول.. فأمانة مسيرة "دولة المؤسسات" واستمرار تكامُل الأدوار فيها، وإعلاء بنيانها، ليست بالأمر الهيِّن، بل تحتاج تضافرَ جهود الجميع، خصوصًا مع توافر الرُّؤية السياسية الهادفة لتدعيم مكانة السلطنة كدولة عصرية لها خصوصيتها ونموذجها المتفرد؛ فما تحقق ولا يزال لهذا الوطن إنما هو نتيجة تضحيات كبيرة وعطاء بلا حدود، ومتابعة متواصلة لقيادة امتلكت رؤية ثاقبة وواضحة في اتخاذ القرار، وعزما قويا على تحقيق التنمية والتقدم والازدهار؛ لتشييد دولة عصرية بمقاييس وطنية خالصة، وبسواعد عمانية.