أسمعُ أنينكِ مغمضةَ العينين

غادة سعيد - إسبانيا


كم أنت شهية يا أرض التين والزيتون والبرتقال..
وكم أنت بعيدة مثل نسمة فرح.. !
أسمع أنينكِ، وأنا مغمضة العينين، فتنتابني حياتي كلها برياحها وعواصفها وعطورها ورعشاتها وعبق ياسمينها الآخذ غير المحسوب..
أرى الرذاذ الدافئ وهو يتعالى على كثبان صحراء روحي،  التي هربتُ نحوها العديد من المرات لأعثر قليلا على نفسي ولكني لم أجد إلا يباس الشمس والأفواه الناشفة..
أرى الثلوج التي غطت قبور أجدادي في الأعالي درءا لسلطان القتلة والنبش. ألمس وجوههم. اشتهي أن أسألهم عن الخراب الذي تركوه وراءهم، ولكني أرفض أن أوقظهم من رقدتهم الهانئة الأبدية بعد حياة قاسية قضوها في الحروب والمقاتلات المتتالية..
أسمع النداءات من جديد. رأسي تكاد تنفجر إلى ذرات صغيرة، كلما طالعت نشرة الأخبار وأسمع المذيعة تقدم إحصائيات الشهداء، وابتسامة صفراء لا تفارق وجهها الذميم، لا يجمعها شيء..
تنتابني تراتيل فيروز التي كانت تأتي الليلة أيضا من كنيسة قريبة.
أغمض عيني أكثر وأتمادى في ظلمتي البهية التي تمحو كل ما لا أريد رؤيته. غبي من يسمع الموسيقا مفتوح العينين! لأنه لا يرى شيئا،
لن يشم شيئا،
لن يسمع شيئا،
لن يتذوق شيئا،
لن يلمس شيئا..
للموسيقا عطر وملامح نصنعها بأنفسنا. لهذا مذاق البرتقال والتين والزيت أحيانا، وعطر الحبر الأول كالحب الأول وملمس الحرير وشكل النور وهسيس الهيل.. . مذاقهم فريد وخاص..

تعليق عبر الفيس بوك