حمد بن سالم العلوي
لقد أرهقنا المسؤول الذي يُفكر بعقله وحده كمسؤول، فمتى يفكر نيابة عن المواطن بعقل المواطن ذاته؟ فالذي يجري هو التفكير بعقل المسؤول الحكومي وحده، ولكن تحت شعار مصلحة المواطن، لا نقول هذا انتقاصا من الموظف المسؤول، ولكن واقع الحال يُظهر هذه النتيجة، فهو إن استمع إلى شكوى المواطن من سوء القرارات، التي تنم عن عدم فهم صحيح لاحتياجاته، لما شعر هذا المواطن بأنَّ الكثير من القرارات الحكومية ليست في صالحه، إذن يخيب ظنه لتفرد المسؤول بالقرار، وجشع التجار الكبار الذين يطحنون جيوب الناس مع رسوم الحكومة.. فأين المفرّ من الغلاء وهذه الرسوم المرتفعة والضرائب الكبيرة التي لا تبقي ولا تذر.
المواطن العادي يدفع مرغماً، والتاجر الصغير عليه أن يغادر ساحة التجارة، حتى لا ينتحر بالديون، فالضرائب وخاصة الرسوم البلدية التي أجلت، ما زالت تشهر سيفها البتار على أعناق التجار الصغار.
فكلما حاول الناس الخروج من كبوة، اركسوا في كبوة أكبر منها، ترى من سيكون المستفيد، عندما تتعثر الحياة الاقتصادية التي يكون عمادها أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهذه الشركات التي نتحدث عنها، معظمها نشأ بدعم حكومي متواضع، فهل يا ترى بإمكانها أن تقف على قدميها اليوم؟ وذلك بعد بضع سنوات من انطلاق صندوق الرفد، لكي تتلقفها يد المسؤول بقرارات الرسوم الباهظة، والضرائب المتعددة الأشكال والألوان. في السابق هرب بعض التجار والمستثمرين من البيروقراطية الإدارية إلى دول الجوار، ولكن تلك الدول قررت اليوم أن تلعب سياسة وتهمل التجارة، وبدلاً من أن تغتنم بلدنا الفرصة، وتفتح الأبواب واسعة لاحتضان التجارة ورؤوس الأموال، وهي الباحثة عن دفء الأمن والاستقرار، هذا الذي تنعم به عُمان اليوم كثمار للسياسة القابوسية الحكيمة، نجد الحكومة تشهر سلاح الرسوم والضرائب الرهيبة في وجه الباحثين عن الأمان والاستقرار، ذلك علاوة على العُقد الإدارية البيروقراطية العتيدة.
إذن لم يتاح أمام الجميع إلا الهروب باتجاه الضفة الشرقية من الخليج وبحر عُمان، وحتى بالذهاب إلى الصين وبلاد آسيا، لأن في الجانب الآخر هناك أناس يفقهون معنى التجارة والتصنيع والإنتاج، أما موظفو الحكومة وقد أصبحوا كباراً في الوظيفة، وكبارا في السن كذلك، ليس بوسعهم مواكبة النهضة العُمانية وتقدمها المضطرد، وذلك بعقليات ما قبل السبعين، وربما بأشخاص كذلك من ذلك الزمن البعيد، فالسياسة الاقتصادية تحتاج إلى عقول بوسعها أن تواكب الحداثة والعصرنة. فما زالت الرؤية ضبابية أمام الكثير من المسؤولين في الحكومة، فهم ينظرون تحت أقدامهم بعد نقلها من مكانها، وإلا كيف نظل نجرب المُجرَب الذي لم ينجح، فهناك دول لجأت إلى الرسوم والضرائب، والنتيجة أنها انكمشت اقتصادياً، وأتت الدول المتكتلة معها لإنقاذها، فهل تظنون أيها المسؤولون أن هناك من سيوجعه قلبه على إخفاقنا، أؤكد لكم أن هناك أناساً، نعرفهم من خلال المتابعة للأوضاع المحيطة بنا، سيكونون سعداء لوضعنا ذلك- لا قدر الله.. إذن علينا أن نحوُّل عبارة "استثمر بسهولة" إلى فعل قبل القول، وبعقول كيِّسة فطنة.
لقد أعتنت بلادنا كثيراً بالموروث الثقافي، وأنشأت المتاحف الحافظة لذاكرة التاريخ، وهذا أمر عظيم وخاصة في زمن أبو المال الموهوم، الذي يريد أن يخلق واقعا قديما بالمال الحديث، وهذا بالطبع وهمٌ لن يكون ممكناً، ولكن أنَّ يُحتفظ بالموظف المسؤول القديم نفسه ولزمن طويل، فإنَّ في ذلك محافظة على عقليات القرن الماضي، وتعقيل التطوير بعقال قوي متين، ولكن إذا كانت الولاءات هي التي تستطيع حمل الأمانة، فلتنشأ دعائم لها من أهل العلم والكفاءة، فهم حتماً سيشرفهم خدمة عُمان وسلطانها، ولن يبخلوا على الوطن بفكرهم وإبداعهم وخدماتهم. ومن سمات الجيل الجديد، أنه جيل واع ومبدع، وقد حق له أن يُعطي الوطن كما أعطاه، وحتى دون عطاء فذلك واجب عليه، ففي ذلك تكليف وتشريف، وسنرى حتماً نقلة نوعية في تقدم ورقي عُمان، وإنه لأمر مؤكد إن فُعل بمثل هذا التصور، فإنه سيُفرح القائد الباني لعُمان، وذلك عندما يرى الأجيال التي سهر كثيراً على تنشئتها، قد حققت الأمل المرجو منها، فليس جلالة السلطان - حفظه الله وأمد في عمره - هو من يعرف عن الكفاءة، بل على المسؤولين في الحكومة أن يبحثوا عنهم، فهذا واجبهم الرئيس.
فلا ينبغي أن نقلد الآخرين في غير الذي ينفع عُمان، فليس كل ما يقام في دول الجوار علينا أن نأتي مثله، فعلى سبيل المثال، إن هم رفعوا الضرائب، رفعنا مثلهم، وإن هم رفعوا سعر الوقود على المواطن رفعنا مثلهم، وإن هم منعوا جنسية من دول لا يحبونها هم، فمنعنا نحن مثلهم، حتى وصل بنا الحال أن نأتي بمتخصص شيّْ الشاورما من النيبال، فهذا التقليد غير معقول ومضر باقتصادنا الوطني، حتى إن هذه المجاراة تجعل الناس تتشكك في منطقية بعض الأمور، ويفكرون في إمكانية التآمر، وهذا حقهم لأن هناك سوابق حدثت في الماضي القريب، فلقد أصبح "غير المعقول" هو السائد في العالم العربي اليوم، وهناك أزمة ثقة تعصف بالمنطقة وما زالت قائمة.
خلاصة القول.. إن الوطن العُماني لا يستحمل التجريب والمخاطرة باستمرار، فالذي نريده كعُمانيين أن تكون هناك قرارات جاذبة للاستثمار، خالية من العقد والشروط التعجيزية، وحتماً بالتبسيط والتسهيل سيغني عن الرسوم والضرائب المنفرة، وإلا تساءل الناس أين ذهبت اكتشافات الغاز وتصديره، وكذلك ارتفاع أسعار النفط الذي ناهز 70 دولاراً، لاسيما وأن المشاريع العملاقة كالطرق والمطارات والموانئ قد انتهت، وجاوزنا "عنق الزجاجة" كما قيل، فلنسحب اقتصادنا من الاقتصادات المتخبطة، وربطها مع الاقتصادات الناجحة، ولنفتح موانئنا ومطاراتنا للاستيراد والتصدير، واستحداث مناطق حرة تخدم المواطن والجوار القريب، فلا يجوز التلكؤ والتردد بعدما أكسبتنا السياسة العُمانية القابوسية ثقة العالم، فنحن كما يقول عنا الآخرون، الأكثر وضوحاً وإشراقاً في المنطقة، فلا نطفئ بأيدينا هذا الإشراق والإشعاع الذي يُرى من بعيد، وإلا خدمنا خصومنا بقصد أو غير قصد، وسنُعلن بأنفسنا عن تراجعنا، وتفويتنا للفرص الذهبية التي لا تتكرر دوماً.. حفظ الله عُمان المجد وسلطانها القائد الفذ وشعبها الكريم الأبي.