لا تشِذُّوا عن القطيعِ أيُّها الشُّعراء

نبيلة الفولي - شاعرة وكاتبة مصريّة


عفوا يا سادة؛ إن لم أضع نقاباً على وجه النص؛ فلا أفتنكم؛
ولم ألبس القصيدة عباءة مزركشة بالدانتيل والترتر والتطريز المبالغ فيه؛
ولم أوشم يديها بالحناء؛ وأكحِّل عينيها بفداحة؛
فهي كما تعلمون أمور غير لافتة مادام هناك نقاب!!
فعذراً إن خدشت حياءكم
رغم إنني لم أعــرِّ جسد القصيدة؛
أو أعرض شيئاً من مفاتن أو ألفاظ صريحة قد تضئ لمبتكم الحمراء؛
المستعدة دائما للاشتعال أعلى رؤوسكم المغلقة!!
فيا أيها الشعراء
لا تكتبوا نصوصكم بجرأة؛
بل اجلسوا فى الظل واكتبوا مايكتبه الناس؛
وآثروا السلامة!!
فتضمنوا أن يُنشر لكم؛
لاتجلسوا فى النور فيصيب الضوء نصوصكم؛ ويكشف المسكوت عنه؛
فتكسون بذلك مومياوات الحقائق لحما ودما؛
وتحيون الرعب فى الدُّمى التي فقدت جينات أجدادها جيلا إثر جيل
ولم تحمل عنهم من أثر إلا أن الأهرامات قبور!
تخفُّوا من فضلكم وأنتم تكتبون
أو اجلسوا فى الظلمة
واكتبوا مثلا عن أفضل تصور لكم عن لحظة إلتقاء فأرين مهمشين؛
فى حياة إنسانكم المتوحش؛
المنصرف عن احتياجات الضعفاء أمثالهم
فى إهمال واضح لتفاصيلهم شديدة الأهمية!!
ولاتشغلوا نصوصكم بـ "فأرتكم" التى تعض على سريرها من الرغبة
أو فأر أجسادكم الذي يعض على جسد فأرة صديقه أو جاره أو حتى فارة الكمبيوتر!!
أنتم جيدون؛
والحياة تسير؛
ليس هناك ما يؤرق أرواحكم؛
إلا القوت والحاكم الظالم والأموال والأولاد؛
وما مقومات الإنسان السليم لسداد كل ذلك إلا محض هراء!
فلا تشذُّوا عن القطيع أيها الشعراء؛
ولا تهتموا بإنسانكم؛ وما يفور فى نفسه مما يعفِّن الحياة على الحقيقة؛
وتتشاركون فيه جميعا؛ ولايخبر أحدُكم أحدًا؛
فلا يؤرق أحدكم أحدًا؛
ولا تنهكوا عقولكم؛
ولا تعضُّوا على أفكاركم؛
فأنا امرأة أهذي؛
أذكر من الوقاحة هنا كلمة سرير؛ هكذا دون غطاء!!
وهو أداة من الأدوات شديدة السرية
ألستم تستخدمونه فى ممارسة الطبيعة؟
فهو إذن محرم إلفاظه؛ أو كتابته فى نص؛
أترون؟! أنا أيضا أتحفظ وأقول الطبيعة ولا أقول الجنس!!
فمازال فى داخلي أسراب من "الحيطة والحذر"؛
وكلمات أيضا مستهلكة تستخدمونها أنتم بلا تحفظ؛ أو تأنيب ضمير!!
ولربما قلت طبيعة هنا لتفهموا أنها طبيعة الحياة والإنسان
التى إن استقامت استقام كل شيء؛
وإن أُشبعت أُشبع كل شيء؛
ولا يجب تجاهل صراعاتها أبدا؛ المهم حُسن التعبير؛
والكتابة من الجوهر؛ ويا حسرتي إن رأيتموه من المظهر؛ كعاداتكم فى النظر
فلا تعرفون عن النص أكثر من كونه امراة عارية؛ أم محتشمة؛ أم تلبس نقابًا!!
دونما تعمق بمقدار بوصة واحدة
لتطلعوا على ما أبعد من ذلك
ياسادة؛
لقد أفلحت كثيرا من أرض روحي لزلازل كثيرة من صناعاتكم الفاسدة؛
لإصلاح عيشي فى ظل دفن رؤوسكم فى وعورة عيشكم؛
وأنتم لا تفعلون؛
فكيف نقف على استقامة واحدة استبياناً للرؤى؟!!
فسامحوني إن كنت أسأت إلى عذريتكم
وهتكت دماء وجوهكم ببعض كلمات خرجت من صدري كالخفافيش
فى مواجهة الضوء القادم من بعيد الحياة
أو لعلها تستنجد بما تبقي من بحة فى صوتي؛
لتتحرر من كهوف نفسي ذات السراديب لكهوف أنفسكم؛ لا أدري!!
فاطمئنوا؛ لن أتصادم معكم
بل سأوسع فيما بينكم؛ وأمُر
وأنتم ترفعون رايات تحفظكم البيضاء "من غير سوء"!!
لتمتنعوا عن دخول حروب مع المتعاقدين معكم على المحاذاة
فلا تخسرون أرباحكم المعتادة
من مناصب وأموال وشللية ومصالح!!
فقد خمدت الثورة فى أرواحكم منذ فقدتم براءة الكتابة
وخرجتم علينا بـ "أدبكم" المفرط فى السلامة
وبقاء الحال على ماهو عليه!!
مهما حاول المنفلتون أمثالي؛
زعزعة الثوابت؛
او الكتابة عن أشياء "إنْ تُبدَ لكم تسؤكم"
فتضمنون بذلك ألا تخرجوا عن قبضة الموروث
أو تقعون فى قبضة الحاكم
فيبقى الشعر تماثيلاً جوفاء تزين ندواتكم؛ وصفحات جرائدكم
دونما اهتمام بتلك الغربان التى تقف على أكتافها لتنعق بما لا تفهم
أُطمأنكم؛ أنتم هكذا آمنون؛
لن تسقطوا من قمة جبل العادة
وستبقون مثلكم مثل الناس جميعاَ؛
وإن قلتم على أنفسكم شعراء
تخشون الناس؛
والشعر أحق أن تخشوه.

تعليق عبر الفيس بوك