الخطاب الجمالي في رسوم التشكيلية شفاء هادي

...
...
...
...
...
...
...
...

أ.د/ حازم السعيدي – ناقد وأكاديمي


لقد تعددت الرؤى والمفاهيم التي تشير إلى الأمومة والطفولة وماهيتها ودلالاتها وعلاقاتها بالعمل الفني ولهذا إن ماتعالجه (شفاء هادي) في رصدها لموضوعة إنسانية تمثل امرأة تضع طفلا في حجرها هي من أولويات التعبير عن الإيحاءات التي تلتحم ومرموزات الصورة, فتمكنت من تصوير وتجسيد عملية الإبداع الفني وسماته الكامنة بواقعية أركيلوجية وفق محمولات استنادها للانفعالات الإنسانية  بهذا الاتجاه وبقدر يوازي ارتباط تجربتها الجمالية في الميدان الحياتي والأخلاقي من خلال اللوحة.
إذ أن ذلك جله ينضوي تحت مظلة الدلالة النفسية وهو الذي يفصح عن العلاقة بين الفنان والموضوع ويعد مظهرا من مظاهر استحكامات (شفاء هادي) في نمذجة رسومها وبالتالي ظهور صفة وجدانية هي الأقرب للتأثير في المتابعة, حيث الوجدان مدار لمثارات تؤلف نظما اتصالية تفصح عن شفراتها السلوكية, حتى ليصبح ضرورة اشعاع لعملية الإبداع الفني فضلا عن مستوى الالتزام والدور الغائي في الخطاب, كما يعوّل على الانفعال الوجداني بإيجابية تمظهرات الرؤى المثالية في هكذا موضوع, فذهبت بقرائها نحو صوفية ملهمة لجمال المنحنيين الشكلاني والتقني للتعريف بالسمة الجمالية في محاكاة أفلاطونية ذات معايير أخلاقية تؤمن بأن الفرد عالم قائم بذاته قادر على ابتكار أي شىء من ذاته, من خلال الرسم نفترض أن الجميل في شكله البسيط ذو الانسجام والوحدة, مما يؤكد أن عملية الإبداع هنا الهام نابع من النشوة الفنية اللاشعورية تتمثل بثراء الموضوع الوجداني غير المحدود في العملية الإدراكية الحسية التي نستقبلها شكلا ومضمونا ويتصل اتصالا مباشرا بالمتلقي ليكون مستقبلا فاعلا بعد تلقيه فك شفرة القراءة للخطاب الجمالي.
عليه إن الأفق الجمالي يستدعي متلقيا سبق أن تمكن من أدواته كناقد شكلانيّ على مستوى الحس النقدي يرغب في التنفس الذاتي في التحليل الذي لايكون فيه مستمعا أو مشاهدا كسولا وإنما على قدر من الوصول إلى الذائقة الجمالية.
عُرفت (شفاء هادي) بتنوع منتوجها الفني باعتمادها القيم الحاضرة في الانغماس الفني فهي تُهيءُ وتُحضِّرُ وتنفذ لتأريخ القيم كما أسلفت وتشاطر ذاتها  في سبل التعبير وخطواته لأنها ترى أن الجيل عليه أن ينهل من رواده ويسعى إلى التطور في أسلوبية واتجاهية تحول الانتباه وتؤثر بفئة حضوره.
نعم إن الحالات والمستويات التي تؤكد لغة الصورة شكلا ومضمونا لديها تعني توجيه إلى إعادة التطوير وبسبل اختلافية لا تشترط الاستنساخ والتقليد وفي الوقت نفسه تجري التجربة الفنية على حاسة الرؤية لدى متلقيها بمعنى أنها تفتح أمامه أبعادا لم تقتصر على ما تقوم بتنفيذه الفنانة (شفاء هادي) وإنما ورود استعلاء التقنية وجنسنة الشكلية وكلاهما إيذان في مقترباتها تتحدد في عناصر اللوحة.
وهنا يراودنا الشك في أن زوايا التقنية قد تجد اتجاها أو مستوى أكثر تعبيرا والانعكاس نحو داخل العنصر الفني بحيث تغدو اللونية واحدة من تراتبية التراتب في اللون أو الملمسية في الملمس على مثال أكثر إيضاحا وتبدو التخيلات أكثر اقترابا وهنا تظهر آفاق المتخيل من الصورة وفقا لمفاهيمها الفنية, وهو ما أبدعت به في التأثير بنا نحن فدفعت بسجال يتضح جليا حينما تركت بعض من التزيين على اللون بنقطة أو خط أو ما شابه وكأنها انطلقت لتؤدي شمولية أكثر توفيقا في مساحة الفكر وأجرت تجريدا ينافس التجريد الفلسفي, وهذا لايخفى حينما نقابل معاصرة اللون أو الملمس لديها كونهما الأكثر بروزا واتساقا, حيث التركيز زيادة في استمرار الصورة بعد تسليط الضوء عليها, إنها انكفأت وراء خطابها الجمالي وتركته في هواء طلق بعد أن تركت ما اتصفت به سؤالا متاحا لنا هو هل سأكون جزءًا من نسيج فني مميز أو متفرِّد؟ ورغم وضوح المعنى في عديد لوحاتها تمكنت من إخفاء العديد من ظهوريتها في أسلوب واقعي وتركت لمتلقيها حرية التحكم في دلالات رقة الأثر لفرشاتها, وأخيرا تعزى مفاهيم التعبير في نصوصها الجمالية والخطابية إلى أن الفعل ينتظر ردة الفعل فوهبت آثار تطوير الذات العارفة واتجهت لتصبح ترجمة العنصر الفني عنصرا ابستمولوجيا يعادل إنجاز تقنية الصورة وتقنية العين حتى أغرقت الوجدان بالمخاطبة وساقته نحو التفكير.

تعليق عبر الفيس بوك