ثرثرة لن تفضي إلى موت


عمارة إبراهيم – مصر


عندما تقف على حافة
من سماء
ليست هي لك
وليس بينك
 وبينها جسر مرور
تقف وحدك أنت من دون أحد
 يؤنس وحدتك
أو أن يساعدك
 في العودة إلى حياتك البعيدة
ترتطم برياح
 عاصفة
ورعد.
يخطف ما تبقى لقلبك من ألم.
وربما كان الاستسلام
للنزول من حافة السماء
إلى المجهول.
كان الوقت بطيئا
يعربد فوق سلالمه الفاخرة
وحده من دوني
يأخذ من رحيق الحياة ما يشتهي
ويترك لي وحدي
 وأنا علي حافة السماء
مصيري
أنظر إلى هوة
 لا حدود لها
حتي تخيلت
 أنها حتما ستبتلعني
والمسافة يرقبها الوقت
حين يوقف زمنها
 لحظة
ربما تجيء عاصفة
من كوكب
إنساني آخر
تقذف بي إلي السماء
وقت أن تطلع من عند الله.
كنت أتخيل مائدة
أجلس عليها مع عائلتي
وكنت أداعب طفلا
لا يزيد عمره عن شهر واحد
منحة الله من السماء
وهي تطلع من عنده لولدي "محمد"
أتأمله
وهو يشبهني
تماما مثل أبيه.
الطفل في ملكوته
وهو يعلم تماما
أن الله سيمنحه فيضا من نور
لأنه لم يصل بعد إلى أفعال البشر
وهم يقفون معي
علي حواف السماء المجهولة.
الوقت لا يزال يعربد في بطء شديد
علي سلالمه الفاخرة
وأنا أقف في عمق ذاكرة
تسعى أن تبقى على شيء
أو ربما أشياء لازمتني في حياتي
وأنا بين الزرع الأخضر في قريتي الكبيرة
أتناول رغيف خبز طازج
والفول الأخضر
 وقت قطفته
من أشجاره الخضراء
والحلبة الخضراء
والجبنة البيضاء
وقت خروجها من يدي أمي
التي ماتت
بعدما تركت لي وصيتها
 أن أصلي عليها صلاة الجنازة
وأدفنها بيدي المحموتين
 وأمنحها قبلة فوق جبينها
قبل أن أغادر مرقدها.
كانت ذاكرتي تقف على حدود كل شيء
كل شيء
وكأنها كاميرا
تلقط ما تمنيته أن يكون بعيدا
عن هذه المدينة
 التي تأكل البشر
والخضرة
والعادات التي تربينا علي جمالها.
البرق والعواصف لم يتركاني
وأنا أتشبع من سيرة الحياة
في قريتي التي كانت.
بينما البرق والعواصف
يحركاني أكثر، وأكثر
إلى حافة السماء
بين سيول الماء
التي تستنزف من دخان
 كان من صنعنا
ونحن ننتج دهشة لموتنا.
في المدينة التي تفوح موتا وتيها
لتصل عند حدود الوقت
بعدما توقف لحظة
فوق سلالمه الفاخرة
 ليصل عليها اللصوص من كل حدود الأرض
إلى كل حدود الزمن
في مدينتنا
التي لا تشتهي غير الموت
وغير مد حدود الزمن الواقف عند الآلة
ترغب في  تدوير ملامح أضرحة الصبح
بمشيئة سفاح
أو بمشاركة مهرجان للألم
جاء اللص
ليسرق سترة أم
 وهو يطلع من آلة تلفاز
كانت تمضي بعض الوقت
تشاهد فيلما
عن أخوة يوسف
حين رموه في هوة بئر لا يرتجف
والناس الطيبون لا يزالون يمارسون صعودهم
وكأن آلله
يعيش بغير الأرض
ويجيء الطوفان
وصيحات الطير الأسود
ترجف شكل القمر الباهت نوره
حتى تطوي الحلم
عند باب مدينتنا
في نهارها الضيق
الآن نحن
 في حالة حرب
لا يقدر عليها أحد.
بينما اللصوص وحدهم
من يرتقون سلالم الوقت الفاخرة
يطلعون عليها من دون هبوط
ولا تزال السماء التي أقف علي حافتها
والرعد والعواصف
 يرسلان صيحاتهما لي
والصقيع في ربيعنا الممطر
يتوغل في جسدي
من دون خيط
واحد
من الشمس
التي فرت
ولم تستطع المواجهة
كي يمنحني بعضا من شتات ذاكرتي.
كان علي أن أستجمع صمتا
حتي يوقف ثرثرتي
فلربما كانت هي وحدها
 التي تمنحني جحيم السقوط في هوة
من السماء البعيدة
وأنا أقف علي حافتها
من دون أحد من لصوص الأرض
بعدما سرقوا الوقت والحياة
ليتركوني على حافة السماء
التي لا أعرفها
أنزف ما تبقى من عمري.

 

تعليق عبر الفيس بوك