الشرق الأوسط على مائدة "ترامب ماكرون"

عبيدلي العبيدلي

حظيت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة لواشنطن بحصة الأسد من التغطيات الإعلامية، خلال الفترة بين 24 و27 أبريل 2018.  فهي "أول زيارة دولة يستضيفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ تولي منصبه في يناير 2017. وقد استرجع الرئيسان خلالها ملامح من تاريخ بلديهما المشترك حيث تناولا العشاء في مدينة ماونت فيرنون مسقط رأس جورج واشنطن أول رئيس أمريكي وقائد الحرب الثورية الذي كان تحالفه مع فرنسا حاسماً في هزيمة البريطانيين".

لكن الأكثر إثارة لدوائر الإعلام كانت الموضوعات الدسمة ذات الطابع الاستراتيجي التي سيطرت على المحادثات بين البلدين. فقد كانت هناك "الرسوم التي فرضها ترامب على صناعة الصلب الأوروبية حيز التنفيذ في الأول من مايو، وفي حال رفض الرئيس الأمريكي التوقيع على تنازل ما هناك مخاوف حقيقية من حصول حرب تجارية شاملة". وعلى مستوى الشرق الأوسط برزت ثلاث قضايا رئيسة ومتداخلة، الأولى منها، "الأزمة في سوريا بعد أقل من أسبوعين من ضربات جوية شنتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في سوريا ردا على ما يشتبه بأنه هجوم كيماوي أودى بحياة العشرات في دوما"، وما رشح من معلومات كشفت عنها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، مفادها أن "خطة تعدها إدارة الرئيس دونالد ترامب لإحلال قوات عسكرية عربية مكان القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا. وذكرت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية طلبت من السعودية والإمارات وقطر المساهمة بمليارات الدولارات، وإرسال قواتها إلى سوريا لإعادة الاستقرار، وتحديدا في المناطق الشمالية، ولفتت إلى أن مستشار الأمن القومي جون بولتون اتصل بمسؤولين مصريين وطرح عليهم المبادرة". أما الثالثة فهي القضية النووية الإيرانية حيث أكد ترامب، وفي أكثر من مناسبة أمام نظيره ماكرون، " انتقاداته للاتفاق النووي الإيراني، واصفًا إياه بـ "الكارثة والفظيع". وحذر الرئيس الأمريكي خلال استقباله للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، "طهران من استئناف برنامجها النووي في حال ما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق". جرى ذلك في وقت "تعمل فرنسا ودول أوروبية أخرى أيضاً على الاتفاق النووي المعقّد مع إيران والذي يهدد ترامب بتقويضه إذا لم يلغ عقوبات على طهران بحلول 12 مايو كمهلة قصوى".

كل ذلك يعني أن قضية الشرق الأوسط كانت محور النقاشات التي دارات بين الرئيسين الفرنسي ونظيره الأمريكي. وبعيدا عن تلك التغطيات الإعلامية، فمن الطبيعي والمنطقي أن هناك الكثير من ملفات الشرق الأوسط التي تم الاتفاق بينهما عليها، لم يكشف النقاب عنها، حيث يتطلب الأمر إنضاجها على نار هادئة بعيدا عن الانفعالات التي من الطبيعي أن تؤججها الدوائر الإعلامية المختلفة.

ردود فعل الدول الشرق أوسطية ذات العلاقة بالموضوعات التي تمت مناقشتها هي الأخرى تلقائية وسريعة ومباشرة، فالإيرانيون قالوها صراحة، وبشكل مبطن أيضًا، كما جاء التحذير على لسان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، "من أن إيران مستعدة لاستئناف تخصيب اليورانيوم بقوة إذا تخلت الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي المبرم عام 2015"، مشيراً إلى أن هناك  إجراءات جذرية أخرى يجري البحث فيها إذا ما حصل ذلك".

وكرر مثل هذا التهديد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شامخاني أن إيران قد تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي إذا ألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع ست قوى عالمية عام 2016"

ردة الفعل العربية على ما جاء في تصريحات ترامب جاءت على لسان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، حين قال "إن على قطر أن تدفع ثمن وجود القوات الأمريكية في سوريا، وأن ترسل قواتها العسكرية إلى الأراضي السورية، (مضيفًا) يجب على قطر أن تدفع ثمن وجود القوات العسكرية الأمريكية في سوريا وأن تقوم بإرسال قواتها العسكرية إلى هناك وذلك قبل أن يلغي الرئيس الأمريكي الحماية الأمريكية لدولة قطر والمتمثلة بوجود القاعدة العسكرية الأمريكية على أراضيها".

وتمامًا، وكما أن هناك ما أخفي في المباحثات الأمريكية – الفرنسية، كذلك الأمر بالنسبة لردود الفعل الإيرانية ونظيرتها العربية.

ما يمكن أن يستشف من كل ذلك هنا هو: أن المخطط الاستراتيجي الأجنبي الذي تلتقي حوله مصالح الدول الغربية لم يتغير إطلاقًا. فالمحادثات لم تخدش أي من جدران المثلث الذي يحوي: ضمان تدفق مصادر الطاقة للعواصم الغربية بالأسعار التي تخدم أسواقها وبالكميات التي تحتاجها، والأسعار التي تحددها، ضمان توقيع أكبر عدد من الاتفاقات العسكرية، ولأطول مدة ممكنة، عدم المساس بأمن الكيان الصهيوني الإستراتيجي.

أن هناك مشروعا تم الاتفاق عليه بين الدول الغربية، وفي مقدمتها الدولتين العظمتين: روسيا والولايات المتحدة، تقضي بإعادة تقسيم ثروات الطاقة القائمة والمحتمل استكشافها في المستقبل، وخاصة الغاز الطبيعي بما يُلبي احتياجاتها، ويحمي مصالحها، ليس في الحاضر فحسب، وإنما في المستقبل أيضًا. ومن ثم فهناك حاجة ماسة لوضع أسس للتناغم بين السياسات تحاشياً لاحتمالات تصادمها.

أن دورا معترفا به لإيران يجري الاتفاق بشأنه، وليست تلك المناوشات الكلامية التي تقوم بين إيران وواشنطن سوى الرماد الذي يذر في العيون، ومن ثم فمن السذاجة الانجرار وراء الملاسنات الإعلامية، التي تخفي تحت أرديتها المختلفة مثل تلك الاتفاقات المبيتة التي تلتقي عندها المصالح، بما فيها المصالح المشتركة بين واشنطن وطهران.

ولتحقيق ذلك لا بد من التأكيد على أن صلب الاتفاق الأمريكي – الفرنسي لا يخرج عن جوهر ما تدعو له استراتيجية "الفوضى الخلاقة"، والتي تتمحور حول المزيد من تشظية البلدان العربية، من خلال تفجير الصدامات العسكرية فيما بينها، وتأجيج الصراعات الاجتماعية القائمة داخلها، بما يضمن إنهاكها، وحرف أنظارها عن تنمية قواها الذاتية، وإفساح المجال أمام دول إقليمية أخرى، من بينها إيران كي تتصدر المشهد السياسي الشرق أوسطي.

هذا ما ينبغي التنبه له عندما نقرأ حوارات ترامب – ماكرون وإفرازاتها، كي لا نغرق في رمال عواصفها الإعلامية، وما تسربه لنا دوائر استخباراتها، كي تحرف أنظارنا عن المشروع الذي تطبخه على نار هادئة، والذي يستهدف العرب ومصيرهم بشكل أساسي.