عبيدلي العبيدلي
البحرين تقترب وبخطوات سريعة من الانتخابات النيابية، ومع اقترابها، بدأت بعض الجمعيات السياسية تفصح عن أسماء من سترشحهم لخوض المعركة الانتخابية القادمة، حيث أثبتت انتخابات 2014، أنه لا يمكن لمجلس نيابي تخلو مقاعده من ممثلي جمعيات سياسية أن يمارس دوره التشريعي على النحو الأفضل. وطالما أننا لسنا بصدد المقارنة بين مجلسين الأول يزخر بممثلي الجمعيات السياسية، والآخر يفتقدها، فمن الأفضل التحول نحو تناول الحديث عن مجلس نيابي يكون للتجار كلمتهم المسموعة فيه. وقبل الحديث عن ذلك لابد من التوقف عند واقع الشارع التجاري البحريني منذ أن أطلق جلالة الملك مشروعه الإصلاحي. فعلى امتداد ما يقارب من عقدين من الزمن يمكن رسم صورة ذلك الشارع على النحو التالي:
تحاشي وجهاء البحرين، المشوب بالحذر الذي يقترب من الخوف، للانخراط السياسي في ذلك المشروع بشكل طبقي. بمعنى عزفهم عن تشكيل جمعيتهم السياسية التي تمثلهم وتدافع، بروية، وعقل، ومنطق، عن مصالحهم السياسية المترابطة مع مصالحهم الاقتصادية. ومن ثم فمن العسير القول بسماع صوت التاجر البحريني من على منبر البرلمان منذ إنشائه في مطلع هذا القرن.
حتى أولئك التجار ممن عينوا في مجلس الشورى لم يتصرفوا كممثلين لذلك الشارع، ومدافعين، وليس مناكفين، عن حقوقه. ولذلك لم نجدهم يركزون على التشريعات المتعلقة بالقطاعات الحية في الاقتصاد الوطني، ويدافعون عن حقوق القوى المجتمعية التي تقف وراءها. نذكر على سبيل المثال لا الحصر المشاريع ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بالشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتلك الناشئة (Startups)، ناهيك عن التشريعات ذات العلاقة باقتصاد السوق الافتراضية.
سلوك غرفة تجارة وصناعة البحرين سلوك المرتكز على تصرف الطرف غير المبالي، بما تعرضت له البحرين خلال السنوات السبع الماضية من هزات زلالية كانت لها آثارها العميقة السلبية على حركة السوق المحلية ونموها. واكتفت باختيار مقاعد المتفرجين اللا مبالين الذين ينتظرون مكان سقوط الثمرة كي يكونوا أول من يلتقطها، دون تحمل مسؤولية أو الاستعداد لدفع ثمن.
انتخابات الغرفة للعام 2018 حملت معها تغييرات نوعية في طبيعة المترشحين، وانعكس ذلك على نتائجها. ولن نغوص عميقاً في تحليل تلك النتائج، وسنكتفي بالتوقف عند برنامج الكتلة الفائزة التي حازت على نسبة عالية من أعضاء المجلس الجديد. فما يلفت النظر في استراتيجية تلك الكتلة هو برنامج الـ 100 اليوم الأولى من النجاح. فرغم أن ذلك البرنامج يركز كثيرًا على الجوانب الاقتصادية، لكنه يحمل في أحشائه، لمن يقرأه بتمعن، الكثير من النوايا السياسية الإيجابية التي تريد أن تنخرط في المشروع الإصلاحي، وتكون ركنًا أساسيًا من أركانه، وعنصرا فاعلا ومؤثرا في كيمياء التحولات التي يطمح لها.
ليس المطلوب من الشارع التجاري اليوم، وعلى وجه الخصوص غرفة تجارة وصناعة البحرين التي يحظر قانون تشكيلها ممارستها للعمل السياسي، أن يعلن عن تشكيل جمعيته السياسية، فربما يكون الوقت مبكرا، بل ربما تكون الظروف غير ملائمة. ولذلك، وعلى نحو مواز، ربما يكون من مصلحة الشارع التجاري البحريني ممثلاً بالغرفة، أن يسير، بتؤدة وخطى ثابتة، في اتجاهين متوازيين:
أولى الخطوات المطلوبة اليوم، ولا تحتمل التأخير، أن يأخذ المجلس الجديد على عاتقه، في إطار برنامج الـ 100 يوم تطعيم ذلك البرنامج بنكهة سياسية تقوم على أسس المشروع الإصلاحي، وتستقي حيويتها من مكونات ميثاق العمل الوطني، وفي الوقت ذاته يبدأ المجلس أيضًا في البحث عن الوسيلة الأفضل والطريق الأسلم الذي ينبغي له أن يسلكه من أجل تشكيل جمعيته السياسة، وفق المعايير المناسبة، والمقاييس السليمة، ومرة أخرى ينبغي أن يكون المشروع الإصلاحي، والميثاق هما نبراس عمل ذلك المجلس.
الخطوة الأولى والأكثر أهمية التي ينبغي التمسك بها هي ضمان نجاح مشروع الـ 100 يوم. فهذه مسألة لا يمكن المساس بها. فبقدر ما يتحقق إنجاز في هذا الاتجاه بقدر ما يزداد ثقل التاجر البحريني في الأسواق السياسية والاقتصادية المحلية. ومن ثم فمن الضرورة بمكان أن تحظى مكونات هذا البرنامج ومقومات نجاحه بالاهتمام الأقصى من لدن المجلس.
تلي تلك الخطوة مد جسور سياسية بين مجلس إدارة الغرفة ودوائر صنع القرار. وللمرة الثالثة ينبغي أن تحكم هذه الجسور قوانين الميثاق وروح المشروع الإصلاحي، من أجل الوصول إلى الصيغة الأكثر رقيا التي تضمن أن تكون للغرفة كلمتها التي تطمح لها في الحياة السياسية البحرينية على وجه العموم، وفي الغرفة البرلمانية على وجه الخصوص.
تأتي بعد ذلك الخطوة الثالثة، وهي الأكثر أهمية، وهي إيجاد الصيغة الملائمة القائمة على معادلة صحيحة تضمن للشارع التجاري البحريني إسماع كلمته المبنية على التزام كامل بمصلحة الوطن والمواطن، والمستقاة من تجربة سياسية غنية يمتلكها الجيل الشاب من أبناء مكونات ذلك الشارع من أجل الانتقال بالبحرين إلى المكانة المرموقة التي نحلم بها جميعاً.
رحلة الألف ميل الناجحة تبدأ بالخطوة الأولى الراسخة، والخطوة الأولى الناجحة هي اقتناع مجلس الغرفة بأن لهم دورا وطنيا سياسيا ينبغي أن يمارسوه من خلال منبر البرلمان. ومتى ما توصل المجلس لتلك القناعة، فبوسعه أن يبحث عن الطرق الأكثر جدوى التي من شأنها إسماع الشارع البحريني صوت شارعه التجاري.
وكل ذلك يصعب تحقيقه أو البدء في تنفيذ برنامج له علاقة بها، ما لم يمتلك المجلس قناعة راسخة بأن العمل السياسي ينغرس عميقا في صلب نشاط الشارع التجاري البحريني (إذ ربما لا يسمح قانون ترخيص الغرفة لها بممارسة العمل السياسي) ويشكل ركنا أساسيًا من أركانه. وعندما نصل إلى تلك القناعة تسهل مهمة البحث عن الحلول المناسبة والصيغ الملائمة.
فالمهم هي القناعة قبل أي شيء آخر.