الأيديولوجيا والمرأة

د. ريا الخروصية

أكاديمية عمانية

تؤدي الفنون دوراً في ترسيخ وتوجيه الأيديولوجيات التي ترسمها الشعوب تجاه مختلف جوانب الحياة، ومن أجل ذلك يتم تسخير أعمال أدبية كالقصائد الشعرية والكتب والكوميديا والأفلام في توجيه الفكر النمطي القائم على عدم التكافؤ بين البشر والمبني على أسس الجنس والعرق واللون. فقد أحدثت السينما الهندية تغييرا على ما تعود عليه المجتمع الهندي في مشاهدته -على الشاشة- للإطار الذي يحدد الصورة النمطية للمرأة تجاه نفسها وتجاه المجتمع والقانون.

جاء هذا التغيير بعد أحداث الاعتداء الجسدي الذي تعرّضت له "ابنة الهند" في ديسمبر 2012 والذي أدى إلى وفاتها، وكذلك بسبب احتضان الهند لواحدة من أكثر مدن العالم إيذاءً لجسد المرأة. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على جهود السينما الهندية في تحسين الصورة النمطية السائدة عن المرأة بالمجتمع الهندي، وذلك في محاولة منها إلى تقليل حالات الإيذاء الجسدي الذي تتعرض له المرأة من كافة أطياف المجتمع وبالتالي إلى خلق بيئة أكثر أمانا لها.

أولا: تحدد الأيديولوجيا الصورة النمطية المحددة لحياة المرأة داخل وخارج المنزل. تتشابه الأيام والليالي في حياة المرأة الهندية بحيث يتم استهلاك جسد وصحة المرأة ضمن إطار الأعمال المنزلية اليومية كالطهي والعجن والتنظيف وكوي الملابس ورعاية الأطفال ورعاية المسنين وذلك في دائرة روتينية مفرغة والتي تم تصويرها بالسينما "بدوران صفارة طنجرة الضغط" تارة و "بالطَرقات المتتالية لملعقة نحاسية على سطح خشبي" تارة أخرى، دلالة على تشابه الأيام والسنين في حياة المرأة. ومع ذلك، قد لا تحظى المرأة بالتقدير على جهودها في رعايتها لأفراد عائلتها. إن تشابه أيام المرأة الهندية داخل إطار الأعمال المنزلية قد لا يوفر لها فرص العمل خارج المنزل والمشاركة الاجتماعية والتعبد في دور العبادة.

ثانيا: تحدد الأيديولوجيا إطار المظهر الخارجي للمرأة والمتمثل في اللباس التقليدي للمرأة بالهند (الساري، والسالوار كاميز) وتسريحة شعرها النمطية (ضفيرة طويلة منسدلة).

إنّ تحديد مظهر المرأة الخارجي داخل إطار لا يسمح للمرأة -حسب السينما الهندية- أن تقدر جمالها وأنوثتها. بالإضافة، تربط السينما حالات الإيذاء الجسدي باختيارات المرأة الحياتية كاختيارها لمسكنها وملبسها وهواياتها وتوقيت عملها خارج المنزل بحيث تزداد حالات الإيذاء الجسدي طبقا لدرجة خروج المرأة عن إطار المعتاد في الاختيارات الحياتية.

ثالثا: من الأمور الأخرى التي تؤدي إلى إيذاء المرأة جسديا اضطرار المرأة المسنة للعمل من أجل كسب لقمة العيش وذلك لعدم تحمل جسدها لقسوة العمل، وكذلك "زواج" القاصرات لما فيه من انتهاك لجسد الطفلة وإجبارها على مزاولة أعمال الأسرة اليومية داخل وخارج المنزل، وأيضا تعدد الزوجات القائم على هدف مشاركة الزوجة الإضافية للأتعاب الجسدية للأسرة كإحضار الماء من ينابيع المياه المتواجدة بعيدا عن مسكن الأسرة وذلك لعدم توفره داخل أو بجوار المسكن - كما تمّ تصويره في أحد الأفلام-.

بناء عليه، تكَون الأيديولوجيا صوراً نمطية لما يجب أن تكون عليه المرأة في اختياراتها الحياتية داخل وخارج المنزل بحيث يتم الحكم على الرجل والمرأة بمقاييس مختلفة مبنية على الاختلاف في الجنس والتي بدورها قد تؤدي إلى إيذاء جسدي للمرأة. وبالتالي، تقوم الهند بجهود رامية إلى تغيير نمط التفكير السائد في المجتمع تجاه المرأة وذلك من خلال كسر التابوات والحوار وتغيير ثقافة الإيذاء الجسدي وفرض مواد قانونية أكثر صرامة وإجراءات قانونية أكثر سرعة. إن توظيف الفنون -بما فيها السينما الهندية- محاولة قد تؤدي إلى إعادة تفكير الرجل والمرأة -على حد سواء- في الفكر النمطي السائد عن المرأة بالهند وبالتالي سعي السينما في الإسهام في الحد من حالات الإيذاء الجسدي الذي تتعرض له المرأة.

الأفلام المستخدمة بالتحليل: Pink, Lakshmi, Teaspoon, Aaji, Doosri Suhagraat

rayakharusi1@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك