وافدون في القطاع الحكومي

 

محمد بن عيسى البلوشي

 

يتطلب الوقت الراهن أن يقوم مجلس الخدمة المدنية بإعادة النظر في أعداد الوافدين بالوزارات والهيئات الحكومية، ليس من أجل توفير فاتورة المبالغ الكبيرة التي يتقاضونها كرواتب وامتيازات يتمتعون بها من تذاكر سفر وتأمين صحي لهم ولأسرهم فحسب، بل لأنّه أصبح من الضرورة أن يقوم الكادر العماني المؤهل بدوره الحقيقي في تلك الوظائف التي تندرج في بعض المؤسسات بأسماء مدير ومدير أول وخبير ومستشار وفني وغيرها من المسميات التي أضحت القوى الوطنية جاهزة لشغرها وبكفاءة عالية.

ما جعلني أفتح باب النقاش حول هذا الموضوع، هو قيام هيئة حكومية ومنذ زمن طويل بتعيين وافد في وظيفة مدير نظم المعلومات براتب ٣٠٠٠ ريال مع مجموعة من الامتيازات الأخرى التي جاءت منذ اليوم الأول من العقد. يأتي ذلك في ظل وجود كفاءات عمانية قيادية في مجال تقنية ونظم المعلومات، فليس من المنطق والمعقول أن كل الجهود التي بذلتها الحكومة من تعليم أبنائها في الجامعات والكليات العامة والخاصة وفي تخصصات عديدة ومنها نظم وتقنية المعلومات وأنشئت هيئة خاصة لتقنية المعلومات، ولا نجد كفاءة عمانية واحدة تدير دائرة نظم المعلومات في هذه المؤسسة بدلا من المدير الوافد إليها.

ربما في هذه المؤسسة وغيرها من الوزارات والهيئات الحكومية عشرات الوافدين يعملون بعقود عمل مباشرة وفي مختلف التخصصات، وعقود عمل غير مباشرة عن طريق التعاقد بتقديم استشارات في جوانب تعتقد تلك المؤسسات بأنّ العامل الوافد هو الأنسب والمؤهل للوظيفة، ولا نختلف حول الأسباب التي دعت إلى وجود هذه العقود وأهميتها بالنسبة للجهة، ولكن ألا تتفق معي تلك المؤسسات أنّه أصبح من الأهميّة بمكان أن يقوم هؤلاء الوافدون بتعليم الموظفين العمانيين الذي يعملون معهم في الأمور التي يجهلونها أو المهارات التي يحتاجونها، وينقلون خبراتهم ومهاراتهم إلى هؤلاء الواعدين، وأستشهد هنا كيف للهيئة التي عينت مديرا لنظم المعلومات والذي تقاضى أكثر من ١٦٠ ألف ريال كرواتب مباشرة عن ٥٣ شهرًا عمل فيها إلى الآن، تجعل من هذه العملية مستمرة إلى الآن بعد مضي هذه السنوات، ولماذا لم تلزم الوافد إليها بالقيام بدورة في تعليم الكوادر العمانية التي معه، وإن لم يفعل فأين دور رئيس الوحدة في تلك المؤسسة من متابعة ذلك لضمان تحقيق الأهداف الوطنية السامية في توطين الوظائف العليا والحساسة؟ سؤال أضعه على طاولة الجهات المعنية.

ليس من المهم أن نبحث في حالة تلك المؤسسة الحكومية بقدر أهمية أن يقوم مجلس الوزراء الموقر بدراسة ميدانية لإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي في ظل الظروف الاقتصادية وأيضا توجه الحكومة بتوفير وتوطين الوظائف، يتعرف من خلالها المجلس على عدد الوافدين في الوزارات والهيئات الحكومية والعقود غير المباشرة في كل وحدة، والوظائف التي يشغلونها والرواتب وقيمة العقود التي يتقاضونها والامتيازات المصاحبة لكل عقد، والتباحث مع كل وحدة حول مبررات تواجد الوافد في تلك الوظيفة، وتوجيههم بتقديم خطة زمنية واضحة ومحددة لتوطين الوظائف غير المُعمّنة خلال مرحلة لا تتجاوز العام أو العامين كأقصى حد يقوم خلالها الوافد بنقل جميع المهارات والخبرات التي تحتاجها الوظيفة إلى الكوادر العمانية ويدربهم عليها، ويشرف رئيس الوحدة بشكل مباشر على تلك العملية.

ما يستثنى من تلك العملية هي بعض الوظائف الضرورية الملحة التي تقع في وزارتي الصحة والتعليم وهي معروفة لدى الجهتين، وقد يقول قائل إنّ بعض المؤسسات تحتاج إلى الخبرات المتخصصة والتي يجب تأطير تواجدها بمرحلة زمنية محددة ومعلومة وبرنامج معروف، وهذا ما يجعلنا نؤكد على أهمية تعظيم العوائد من تواجد إخوتنا وأصدقائنا الوافدين ومساهمتهم المقدرة في البناء والتعمير، وأيضا هذا ما يجعل الجميع يتفهم أهمية المرحلة المقبلة.