علي بن كفيتان
منذ عدة أيام فقط تجردت من صفة رجل الأعمال بعد ما ألغيت جميع سجلاتي التجارية ولم يكن ذلك متاحاً بسهولة فقد بذلت مجهودات مضاعفة على مدار شهرين من الإنذار الذي بثته وزارة التجارة والصناعة الموقرة لتصفية حساباتها مع السجلات. فقمت بالتنازل عن شراكات، وتسفير عمَّال أو التنازل عنهم لآخرين، وأخذ صكوك من الكاتب بالعدل وأخرى من القوى العاملة، والتأمينات الاجتماعية، وشرطة عُمان السلطانية تبرئني من بيئة الأعمال.
كان إقدامي على ذلك تحسباً للنهج الضريبي الذي بات يشم رائحة السجلات المعتقة في باطن الأرض. أتساءل هل الجهات الحكومية فهمت التحول الرقمي بالخطأ أم ماذا؟ فالهدف المنشود والمعلن هو سرعة إنجاز المعاملات وزيادة الثقة بين تلك الجهات والمواطنين والمستثمرين والاستعداد لعالم ما بعد الورق لكن الظاهر أن الأمر تحول إلى تنمر غير مسبوق فجميع المؤسسات لا ترى التحول الرقمي إلا من خلال نافذة تحصيل الغرامات، وزيادة الضرائب بعد أن تم إحكام ربط المواطن بالسجل الرقمي.
في إطار عزيمتي التي لا تخبو لتطهير ملفي الإلكتروني من الشوائب الضريبية تنازلت عن كل أرقامي الهاتفية التي كانت باسمي، وكذلك سيارة العائلة واكتفيت بمركبتي التي أتحمل وزر أفعالها وحيداً كل ذلك خوفاً من تعطيل تحركاتي أثناء السفر فربما أذهب للعمرة وأفاجأ بأنني لا استطيع لأمر لا يمكنني توقعه، صرت مصاباً بالهلع من ذلك المارد الإلكتروني المطل برأسه علينا من نوافذ الحاسب الآلي الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
لقد نجح المخططون بامتياز لجذب المزيد من المال إلى خزائن وزاراتهم التي تنتهج التقشف ليس من الخارج بل من جيوب الداخل من واقع أفعال بسيطة قاموا بها منفردون ودون الرجوع لما بات يتعارف عليه بالجهات التي تمثل المواطن (الشورى – البلدي). فمن واقع تجربة عايشتها تقاسمت وزارة التجارة والصناعة مع الكثيرين رواتبهم المنهارة خلال الأشهر الماضية واستطاعت أن تبعث الروح في السجلات المنتهية وتدر منها المال الوفير، والأمر ذاته عاد بالفائدة على وزارة الشؤون القانونية من خلال إعلانات التصفية عبر الجريدة الرسمية، ومكاتب سند التي تمثل الوسيط ناهيك عن مشروع رفع الرسوم البلدية ورسوم التجارة والصناعة بشكل مضاعف على مختلف الأنشطة التجارية مما يوحي بتوجه جديد لتنحية المكافحين البسطاء بما فيهم أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي طالما غنينا عليها طيلة السنتين الماضيين وفي المقابل تمكين الأقوياء القادرين على دفع الفارق بكل أريحية.
تلك الأحداث الأخيرة مرَّت عبر النافذة المقربة لمطبخ التخطيط في ظل تغييب واضح لممثلي الشعب وغرفة تجارة وصناعة عُمان التي توصف بأنها (بيت التجار). نعتقد أنّ هذا الواقع كان مؤلماً للغاية ففي الوقت الذي ننشد فيه بناء مناخ استثماري جاذب في ظل تبني سياسة البحث عن بديل للنفط وسط نقاشات متعمقة من خلال برنامج تنفيذ تتم كل تلك الأفعال الطاردة للاستثمار. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو ...هل يتوقع هؤلاء أن المستثمر الأجنبي المدجج بالإعفاءات والتسهيلات المجانية سيكون هو البديل الأفضل عن المواطن؟.
من واقع سجلاتي التجارية التي دفنتها قبل أيام في أحد مكاتب سند بمدينة صلالة الظاهر أنَّ قاعدة البيانات بالغرفة لم تعلم بما جرى بعد فتلقيت دعوة إلكترونية من فرع الغرفة بظفار وهي المرة الأولى التي التقي فيها بوجوه شابة أفرزتها الانتخابات الأخيرة لمكتب الغرفة في ظفار ولحسن الحظ اللقاء كان على شرف سعادة رئيس الغرفة المنتخب مؤخراً ونائبيه الكرام ولعله من الأمانة القول بأنَّ الطاقم الجديد يوحي بالأمل والتفاؤل وهذا ما استوحيته من الجلسة التي جمعت نخبة من رجال الأعمال والمهتمين بالشأن الاقتصادي في ظفار.
خلال اللقاء استغل المهندس مدير فرع الغرفة بظفار المناسبة لطرح مبادرة إنشاء وحدة الدعم الفني بفرع ظفار بحيث تكون كبيت خبرة يساهم في توفير الدراسات والرؤى الحكومية ووسيط إيجابي بين رجال الأعمال والمستثمرين الخارجيين والجهات الحكومية في آن واحد ونالت المبادرة استحسان الحضور ومباركة سعادة رئيس غرفة تجارة وصناعة عمان، وأتوقع أن هذه المبادرة كانت أفضل حدث في ذلك النهار.
ملاحظة قبل الختام: قد يكون لي عودة قريبة إلى عالم المال والأعمال ولكن من واقع افتراضي فقط.