ضبط القبائل والفخايذ والعشاير .. ضرورة ملحة

 

حمد بن سالم العلوي

لقد أتت فترة من الزمان على عُمان تسود فيها القبيلة أقوام وأقاليم، وكادت أن تكون القبيلة أمة بذاتها، حتى إن بعضها تعاطى مع المستعمر الأجنبي باستقلال وتفرد خاصة في الأطراف النائية، مستغلة بذلك الضعف الذي أصاب الدولة المركزية، وطبعاً غير خافٍ على المطلع على التاريخ من الذي كان صاحب المصلحة في تمزيق الإمبراطورية العُمانية، فكان المخطط يجري بالخبث الممنهج حتى أدخلها طريقاً سار بها في دهاليز قادتها إلى غياهب أتون القرون الوسطى، حيث لا تعليم ولا خدمات صحية ولا وسائل تواصل، فتحولت السيادة إلى القبيلة وأخذ بعضها ينحو منحى الاستقلال برفع علم خاص، وحكم محلي حر لا معقب عليه، وكأن تلك الشرذمة ذاهبة إلى ما لا نهاية، حتى قيض الله للوطن منقذا فذا سابق الزمن ليُعيد عُمان إلى جادة الحق والمجد والعز.

لقد بزغ  فجر 23 يوليو من عام 1970م، بقيادة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله وأبقاه - فقاد نهضة كبرى أحدثت نقلة عظيمة لعُمان، فأخرجت البلاد من ظلمات الجهل والشرذمة والتخلف إلى نور الحياة العصرية الحديثة، فيومذاك ظننا كعُمانيين أن الأمر جد مستحيل، بأن تتغير عُمان وتصبح كبقية الدول المتقدمة، ونحن ننظر إلى واقع الحال المزري الذي كنا نعيشه، حتى إن إشعال نار الطبيخ كان بصعوبة ومشقة لندرة الوسيلة، وربما كان الحال في مسقط أقل قسوة عن الأقاليم، ولكن رغم ذلك التخلف والشح في وجود الوسائل، أتت الحكمة القابوسية ثمارها، فحولت القبيلة من عامل تفرد وابتعاد، إلى معين على وحدة الصف والبناء، فكان هناك دوراً كبيراً لشيوخ القبائل فساهموا بكياسة منهم في توطيد الأمن والاستقرار، وصانوا الثغور البعيدة وهيأوها لقدوم التنمية، وحُكّمت الأعراف والتقاليد في حل الخلافات والنزاعات بين الناس، لذلك ظل السمت والمذهب يسوسان العلاقة الاجتماعية بين القبائل والأحلاف، وهنا يقصد بالمذهب السلوك الحسن بالتعبير القبلي.

لكن زمن حكم القبيلة قد خلّف آثاراً سلبية على صفاء النسب، فهناك قبائل ضمت قسراً إلى قبائل أكبر، وإن المسألة قد تجاوزت طمس بعض القبائل، وإنما مع مرور الوقت برزت قبائل كانت سابقاً في حكم الفخيذة أو العشيرة، وقد حدث أن منعت قبائل من السفر بسبب ظروف وقتية، وذلك من قبل السلطة المركزية قبل النهضة، مما جعل بعض أفراد تلك القبيلة ينتحلون صفة قبائل أخرى، حتى يتمكنوا من استخراج وثائق للسفر، علاوة على أن بعض أفراد القبائل الذين يعيشون في كنف قبائل أخرى، فإنهم إذا ما أضطرتهم الظروف للسفر، فإنهم يطلبون التعريف بهم من شيخ القبيلة التي يعيشون في كنف حمايتها، فينسبهم ذلك الشيخ لقبيلته، والشيخ يفعل ذلك حتى تقبل السلطة المركزية شهادته وقتذاك، وفي نفس الوقت يزداد عدد أفراد القبيلة، وفي كلتا الحالتين لا يجد الشيخ أو الفرد في ذلك حرجاً، طالما تتسهل مهمتيهما وتوصل المحتاج إلى الهدف المنشود، ألا وهو السفر بسهولة ويسر، وتحقيق الغاية يُهمل اتباع الأصل.

إن عهد النهضة أتى ليوحد الوطن، تحت راية واحدة وقائد واحد، وبذلك تولت الدولة مسؤوليتها في كفالة الأمن والعدل في كافة ربوع الوطن العُماني، دونما نظر إلى الانتماء القبلي أو الإقليمي، ولكن حفظ نسب الناس بهدف التعرف عليهم، يعد حقا شخصيا كفله النظام الأساسي للدولة، الأمر الذي يوجّب اليوم تنقية الشوائب التي علقت بالقبيلة كمعرّف مرجعي له خصوصية في المجتمع العُماني، أصبح يمثل ضرورة ملحة، خاصة وأن تعداد السكان في ازدياد مضطرد، وتشابه الأسماء أصبح حتمياً مع الكثرة، والاعتماد كثيراً على الحاسب الآلي أصبح من أساسيات التسجيل والتوثيق، وقد جاوب سماحة مفتي عام السلطنة على بعض التساؤلات بعدم جواز تغير الانتماء القبلي للفرد استناداً إلى قوله تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ..} الأحزاب (5) إذن فالإنسان معلوم النسب لا يجوز أن يغير في نسبه لمجرد تسهيل بعض الأمور الإدارية.

إن شؤون القبائل في وزارة الداخلية أو محافظتي مسقط وظفار، يعلمون الضرورة الملحة إلى إعادة الأمور إلى نصابها، وإن هناك من استغل الفرصة وأنشأ أو استحدث قبائل كانت في الأصل بين فخيذة أو عشيرة أو بيت لعائلة، فأريد بذلك الاستحداث تنصيب أحد أبناء القبيلة كشيخ لها، ومنعاً للحرج من اختلاط الأنساب، وما يزال بين ظهرانينا من يعلم ذلك، فإن ارجاع الأمور إلى نصابها سيحل الكثير من الإشكاليات، وذلك بمجرد استحداث نظام يلزم المواطن بالرجوع إلى أصله تنتهي المعضلة تماماً، فيطلب من كل مواطن أن يضيف الفخيذة أو العشيرة إلى اسمه الحالي، فعلى سبيل المثال، يقال بعد ذكر الاسم الثلاثي:(التوبي الريامي والفهدي الريامي، السناوي الحارثي والطوقي الحارثي) ففي هذين المثالين انبثاق عن قبيلة كبرى، والمثال الآخر يقال بعد الاسم الثلاثي:(الخنبشي العلوي والخنبشي الحوسني، والنيري العلوي والنيري الهنائي) وفي الأمثلة الأربعة الأخيرة يوضح الضم بحكم السكنى، وبهذه الطريقة نكسب ثلاثة أمور مهمة أولها، شرعي وهو نسب الناس إلى آبائهم، والأمر الثاني، عدم التفريط في القبيلة الأم والثالث الحد من تشابه الأسماء.

وهنا لا أطالب بتقليص دور القبيلة بالقدر الذي أحث فيه على التصحيح، حتى إن محافظة مسقط استحدثت معرفاً بصفة مسؤول حي سكني غير ذي صفة رسمية، وهذه طريقة جيدة تمنع استحداث مشايخ وراشداء جدد، والحقيقة هؤلاء المشايخ أو الرشداء وحتى المسؤول غير ذي صفة رسمية، قد يساعدون الدولة للتعريف بالناس، وهذا واجب وطني يخدم الجميع، ولا ننسى أن قضايا تنفيذ الأحكام التي أصبحت اليوم تؤرق المجتمع، عندما يُعجز الوصول إلى الأشخاص نتيجة نقص في المعلومات، فتتعطل العدالة نتيجة صعوبة التبليغ، ومرد ذلك إلى تشابه في الأسماء، أو اختلاف التعريف القبلي، فقد يكون شخصاً معلوماً مع الناس بمسمى، وفي الوثائق الرسمية بمسمى آخر، لذلك يتوجب على الجهات المعنية أن تفتح باب التصحيح، على أن يحدد له فترة سنة أو سنتين أو ثلاث، فيكتفى أن يصحح فرد من الأسرة ليسري ذلك على التفرعات القريبة.