في الاحتفال باليوم العالمي للشعر في 21 آذار (مارس):

أوجه العدالة في شعر سعيد الصقلاوي (1)

...
...
...

أ.د/ ناريمان عساف - لبنان


العدالة الاجتماعية تعني تكافؤ فرص الحياة بين أفراد المجتمع، من دون تمييز، وإتاحة فرص التعلم، والعمل ، والترقّي، والتكافل الاجتماعي، وتنشأ من خلال في السياسة، أو في المجتمع، وقد كانت محور فكر الفلاسفة والمفكرين والشعراء، على مدى التاريخ الإنساني.
    والإشكالية في هذا البحث تكمن في هل إن الشاعر "سعيد بن محمدبن سالم الصقلاوي الجنيبي": رائد الحداثة الشعرية في سلطنة عمان، كان رائدا في جعلها محورا لمعظم قصائده؟   وهو ممن شهد في منتصف قرن  العشرين تضاربا في الأحداث السياسية، والنفسية في العالم العربي؛  فما بين شعور الانتصار  في التخلّص من الاستعمار، وبين شعور الانكسار بعد نكسة فلسطين، هل وقف يطالب بإحقاق العدالة المفقودة  إزاء مشاهد التشرّد، والبؤس، والظلم الواقع على من اُحتلّت أرضهم، وشُّرّدوا،  وهل حمّل الحكّام فقط أسباب هذه النكسة، وما تلاها من أزمات عربيّة؟
     و أهم الفرضيّات المهمة هي:
1)    إن  المساواة  السائدة في وطنه لم تنسه هموم الأمة العربية.
2)    إن معاصرته، وحرّيته، وفكره الديموقراطي، وقيمه الإسلامية لم تتركه متغاضيا عن فضل عدل حاكم بلاده، فعبّر عن امتنانه له.
3)    إن سرّ  انتشار، واشتهار  شعره، يكمن في أنّ حداثته لم تتعدّ إلى ما بعد شعر التفعيلة.
       وقد وقع اختياري لمعالجة هذا الموضوع على قصائد للشاعر  سعيد من دواوينه الأربعة، وعالجت في الفصل الأول من بحثي هذا  قصيدَتي:  "ألأنك حرّ تعدم" و "سلمت وتسلم ، وخلصت بعد الانتهاء من تحليلهما إلى أنّ انفعال الإنسان، وخاصة إذا كان شاعرًا تجاه الوطن، أو الشعب أو الحاكم، أو الحبيبة، أو أي إنسان أو شيء، لا بدّ أن يُثمر نظامًا معينًا من اللغة، لا يحدّد بنوع ، لأنه نابع من معاناة وجدان وخيال وثقافة ؛ فهو ليس مدحًا، وليس رثاء، وليس غزلاً؛ هو باختصار لسان صادق معبّر عن حياة إنسان، أو شعب في زمان ومكان معينين.
    هذا وقد جعلت هذا البحث في إهداء، ومقدمة تتضمن الإشكالية، والفرضيات،  والأهداف، وأهم المصادر والمراجع، ومنهجية البحث وتقنياته، وبوّبته بتمهيد بحث في معنى العدالة لغويا، فلسفياً، دينياً، وسياسيا، مع إبراز  أهم المؤسسين لها في هذه المجالات.
  وقد قسمته الى فصلين، الفصل الأول قسم إلى جزئين: الأول  منه  رصد لتحليل قصيدة:       "ألأنك حرّ تعدم"، والثاني رصد لتحليل قصيدة: "سلمت وتسلم"؛  والفصل الثاني رصد لدراسة الهندسة في بنية قصيدة العدالة للشاعر سعيد الصقلاوي، ودرست فيه هندسة  الصورة، والكناية، والمبنى الصرفي والتركيبي، و الإيقاع، والوزن، ومن أهم القصائد المدروسة في القسم الثاني، صرخة طفل، محاصرون، ترنيمة الأمل، أنت لي قدر، أنين،  إلى  ضمير  العالم،  وغيرها،   ثم أتت الخاتمة والمصادر والمراجع .
     أما أهم المصادر  التي اعتمدتها  في هذا البحث فهي الآتية:
1)    ترنيمة الماء، أنت لي قدر، نشيد الماء،  وصايا قيد الأرض،  للشاعر سعيد الصقلاوي، وغيرها. وأهم المراجع التي استعنت بها هي:
2)    شاعر بحجم الألم لهشام مصطفى، أبنية من فيروز الكلمات لعبد الرازق الربيعي، تجليات الشعر العماني المعاصر للأستاذ ناصر أبو عون، عبق الرحيق لمجموعة من المؤلفين،  المدخل الى علم اللغة الحديث للدكتور ميشال زكريا، والرؤية الكونية في أدب ميخائيل نعيمة للدكتور خليل ذياب أبو جهجه ؛بالإضافة الى العديد من البحوث والدراسات وغيرها.   
3)    واقتضت ضرورات المنهج المتبع - أثناء عملية الشرح والنقد الأدبي- التوقف عند معالجة الظواهر الروحية الباطنية في موقف الصقلاوي من نكسات العالم العربي، وأسبابها، واستحضاره لشخصيات تاريخية أنقذت الأمة سابقا، وتساؤل دائم عن المصير، ودعوة دائمة إلى العدالة في الحكم، والحرية،  والحرية بالطبع لا تعني العدالة، لكنها تعني الاستقلالية، والسعي نحو حكم البلاد بعيدًا عن مطامع المستعمرين، ولهذا الموقف أثمان كبيرة تدفع في البلدان العربية.
4)    أما البنى الفكرية فقد برزت من خلال البنية التركيبية للقصيدة شكلاً ولغة، ومن خلال الصور البيانية والإيقاع الذي يشعرك بأنك في حضرة المتكلّم.
5)    وقد استعنت في تحليل القصائد  بأفكار منهجية من البنيوية القائمة على استبعاد " ل. غولدمان Gold man " من منهجه " الطرق الفقهية اللغوية، أو الوضعية، والطرق الحدسية العاطفية، واعتماد بدلا منها "الطرق الجدلية" (1)
وهو الذي أبدى الشك في إمكان فهم النص الأدبي، وتفسيره بشكل مجدٍ، وصحيح، عبر العودة إلى سيرة صاحبه الذاتية، والخاصة. وأكد ضرورة الاتجاه ليس من النص إلى صاحبه فحسب، وإنما من النص إلى  المجموعة الا جتماعية التي يشكّل صاحب النص جزءًا منها (2)
وقد كشف غولدمان بفضل هذا المنهج "عن البنية المضمومة" "la structure engobante" أو المشمولة التي تجمع البنى الذهنية، ودعا هذه البنية "بالدلالية، وفي الكشف عما اعتمد طريقة أسماها الفهم (lacomprehension)أو "التأويل" ، وعرف هذا المصطلح بما يخالف المفهوم الكلاسي المتداول بشأنه؛ إذ رأى أن عملية الفهم أو التأويل "تفرض اللحمة الداخلية" للمؤلفات، موضوع البحث، بهدف الوصول إلى تحديد "البنية الدلالية " أو "الدلالة" ، وتسمى هذه البنية، في رأيه، "بالمضمون" أو "المشمولة"،  وانتقل بعدئذ إلى طريقة (أو عملية) "التفسير" (lexplication)،  أو "الشرح"، والتي تهدف إلى إدخال البنية المضمومة في بنية متحرّكة ذات دلالة أكثر اتساعًا من سابقاتها، وسمّاها بالضّامة أو الشاملة (3)
.......................................
المصادر:
(1)    Gold man (Lucien ) : le Dieu cache ( coll Tel / Gallimard ) N11, France 1979 ) P. 16 – 17
(2)    I stem. Ibid . P. 21 – 24.
(3)    - د. خليل ذبيان أبو جهجه، الرؤية الكونية في أدب مخائيل نعيمة ، ط 1 منشورات إتحاد الكتاب اللبنانيين، ص 13، 2004

تعليق عبر الفيس بوك