البصمة إثبات حضور أم دليل اتهام

علي بن كفيتان بيت سعيد

شكلت البصمة البشرية دليلا قطعيا على ارتكاب الجرائم وظل هذا التصور خالداً في أذهان الناس إلى اليوم فأصبح كل واحد منِّا يحمل دليل إدانته ويستخدمه في كل صغيرة وكبيرة من حياته، ونعتقد أنَّ توظيف البصمة في مجال ضبط حضور وانصراف الموظفين يبعث برسالة غير مُباشرة للموظف بأنّه مدان مما يعمل على استهلاك كمية الولاء التي يحملها للمؤسسة وتنامي مهارات التمرد والكسل وضعف الإنتاج. 

لا شك أن أي مؤسسة تسعى عبر مواردها المتاحة وكادرها الوظيفي للوصول لأكبر إنتاجية ممكنة سواء من خلال الأداء الفردي أو الجمعي، بينما الإنتاجية المنشودة ترتبط بثلاثة تساؤلات هامة هي: كم نحتاج من الموظفين لكل مؤسسة؟ وما هي المهارات التي يجيب أن يتصف بها كل موظف؟ وما هي الحوافز التي تجعل الموظف ينتمي للمؤسسة؟ إذا ما أجبنا على هذه التساؤلات بحيادية تامة بإمكاننا الحصول على مؤسسة مُنتجة وهذا التوجه تتبناه الدول الأكثر نجاحاً في مجال إدارة الموارد البشرية على مستوى العالم مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وماليزيا.

إنَّ الهذيان الحالي حول عدم التزام الموظفين بواجبات عملهم مر بعدة مراحل الأولى كانت مع بداية سبعينيات القرن الماضي حيث كان الموظف يؤمن بأنَّ الرقيب هو الله وولاؤه المطلق للوطن فكان يعمل دون كلل أو ملل، ومن ثم أتت المرحلة الثانية التي تنافست فيها المؤسسات فيما بينها وساعد على ذلك عدم وجود نظام موحد للأجور والعلاوات والمكافآت فتحول ولاء الموظف للمؤسسة التي تمنح ميزات أفضل، وفي المرحلة الثالثة طغت شخصية المسؤول المُباشر فرضاه في الغالب يجلب الكثير من الغنائم للموظف الخنوع الذي يجيد مهارات التزلف على حساب الآخر المجتهد، وعندما تم تنظيم الحقوق وتساوت الأجور خلال الفترة الأخيرة وتحجمت سلطة المسؤول المباشر نسبياً أصبح ذلك المسؤول لا يهتم كثيراً لأمور مؤسسته فتمرد الموظفون وساد الكسل وقلت الإنتاجية وعلى ضوء ذلك أتت المرحلة الرابعة التي نعيشها اليوم وهي سلطة الآلة فأصبح ولاء الموظف لهذه الآلة التي تحلل راتبه عبر لمسة رقيقة كل صباح وأخرى في نهاية الدوام وما وبينهما يقضي مصالحه وإن ظل في الدوام تجده متذمراً ويعمل على تجنيد المزيد من المُتسربين المتوافقين مع جهاز البصمة الإلكترونية.                                                                                                                                                   

ولقد أصبحت مؤسساتنا اليوم تتباهى بامتلاك الآلة المُعجزة ألا وهي ذلك الجهاز الصغير ذو الضوء الأزرق الخافت المعلق في الجدار القريب من مدخلها الرئيسي فهو المسؤول المباشر وأصبعك السبابة أو الإبهام هما الموظف فعندما تتهادى تلك الأصبع إلى جهاز البصمة ينتهي الأمر فلا حاجة لمُقابلة المسؤول وليس هناك من داعٍ للمُحاسبة ولسان الحال يقول أنتم وضعتم هذا الجهاز ليقوم مقامكم ونحن توافقنا معه. وبالتالي تأقلم الموظف مع هذا التوجه فغابت الرقابة الحقيقية وتدنت الإنتاجية، في حين كان الموظف في العهد السابق يصل مبكراً ويذهب متأخراً بدون هذا الجهاز ويعاقب كل مقصر بما يستحق فالمسؤول حازم والأنظمة تساعده على هذا الحزم أما اليوم فهو مقيد مقيد بحزمة من الإنذارات ولفت النظر والخصم من رصيد الإجازة ومن ثم الراتب والإحالة للجنة التأديب ومنها إلى المسؤول الأعلى ومن ثم اللجوء للمحاكم الإدارية وفي الغالب وبعد هذه الرحلة الطويلة سيعود الموظف المتسيب للعمل.

نرى أنَّ الحل لا يأتي من خلال اختراع أدوات ومكائن جديدة لضبط وملاحقة هذا المتهم عن طريق بصمات أصابعه أو حدقات عينيه بل من خلال زرع مبدأ الولاء المطلق للوطن ومن ثم للمؤسسة التي ينتمي إليها الموظف، ووجود مسؤول مباشر يخضع لاختبارات دقيقة قبل تعيينه بحيث تطغى إنسانيته على نزعاته الذاتية ولديه المهارات الكافية لخلق مناخ عمل خلاق بالإضافة إلى وجود حوافز قائمة على مبدأ العدالة والشفافية تجعل الموظف يحس بالاطمئنان والحيادية في محيط عمله وهذا هو الكفيل بمستوى أعلى من الانضباط والإنتاجية معاً. ألم يسأل أحدكم نفسه لماذا لا توجد هذه المشكلة لدى المنتسبين للأجهزة الأمنية والعسكرية؟ ولماذا لا يطبقون نظام البصمة الإلكترونية؟ الإجابة واضحة وضوح الشمس.

alikafetan@gmail.com