زاهر بن حارث المحروقي
ما كاد شهر يناير من عام 2018 ينتهي بأفراحه، حيث سجّل فيه الشباب العماني انتصارات رياضية عديدة، ابتداءً من الفوز بكأس الخليج لكرة القدم، مرورًا بالفروسية والهجن والزوارق وحتى تربية الصقور؛ إلا ونتفاجأ في الشهر الثاني مباشرة بتراجع في مجال التعبير عن حرية الرأي؛ بعد أن تمت مصادرة أكثر من عشرين كتابًا من معرض مسقط الدولي للكتاب، قبل أن تتم إعادة بعض منها مرة أخرى، في خطوة لم تجد تفسيرًا مقنعًا لما حدث، إلا تفسيرًا واحدًا فقط، هو أنّ من اتّخذ قرار السحب والمنع، أراد أن يضر بسمعة السلطنة في المؤشر العام للحريات، وبالسمعة الطيبة لمعرض مسقط الدولي للكتاب، والتي اكتسبها خلال الدورات الماضية، لتأتي الدورة الثالثة والعشرون لتشهد تراجعًا عن الدورات السابقة.
ما جرى في هذا المعرض لا يُمكن حصره في مجرد مصادرة تلك الكتب وما يعنيه ذلك من تراجع في مجال حرية التعبير، وعاهلُ البلاد يقول "لن نسمح بمصادرة الفكر أبدا"، وإنما في طريقة إدارة المنع والسحب، ممّا يشير إلى وجود خلل ما؛ فجزءٌ من الكتب المُصَادرة، سبق وأن عُرض في الدورات السابقة؛ بل إنّ بعضها سبق الاحتفاء به رسميًا في دورات سابقة، وتم تكريم مؤلفيها. كما أنّ هناك كتبًا عُرضت في بداية المعرض ولم يتم سحبها إلا بعد مرور أيام من العرض وقد اشتراها الناس. هذا غير الكتب التي تم سحبها ثم أعيدت مرة أخرى، رغم أنّ هذه الكتب كانت معروضة أيضًا في الدورات السابقة. ولكن الأغرب من كلِّ ذلك أن يتم عرض كتاب، ويتم سحبه بسبب تغريدة احتجاج، ممّا يطرح سؤالاً: إذا كان الكتاب سيئًا، ألم تنتبه له اللجنة المشرفة على المعرض قبل تلك التغريدة؟ وإذا كان الكتاب جيدًا، أيُعقل أن يُسحب بسبب تغريدة احتجاج؟ وهذا قد يجرّنا إلى سؤال آخر وهو: إذا كان بعض الكتب قد عُرض في الدورات السابقة، ويُسحب الآن دون إبداء السبب، رغم أن أبسط حقوق المؤلف والناشر وحتى القارئ أن يعرف سبب منع الكتاب وسحبه من العرض.
وموضوع سحب ومنع الكتب – في أيِّ مكان في العالم – يدل على أنّ عقلية تقليدية لا تزال تُدير الأمور؛ ففي عصر التكنولوجيا والفضاء المفتوح، لا يُمكن مصادرة أيِّ كتاب، لأنّ الحصول عليه من السهولة بمكان الآن، هذا غير وجود دور نشر تصل بالكتاب إلى بيتك من أيِّ مكان في العالم وبأقل التكاليف. وقد سبق لمعالي وزير الإعلام وهو المشرف على المعرض، أن صرّح منذ عام 2014، وأكثر من مرة بأنّ زمن منع الكتب قد انتهى.
ودائمًا فإنّ الفكر يُناقَش بالفكر، لا بالمنع؛ لأنّ منع أيِّ كتاب إنما يعني شيئًا واحدًا فقط، هو تقديم دعاية مجانية له، حيث يتهافت الناس على اقتنائه. وهذا ما حصل تمامًا مع كلِّ الكتب التي مُنعت من العرض، لدرجة أن يصل الأمر بالنّاس أن يُطلقوا نكتة، بأنّ هناك اتفاقًا بين الكتّاب والناشرين مع اللجنة المشرفة على المعرض للترويج للكتب بطريقة مبتكرة وخلاقة عن طريق مصادرة الكتب ومنعها، من أجل زيادة مبيعاتها بشكل ملفت. وفي الواقع فإنّ وجود هذا الاتفاق ليس صحيحًا ولكن الصحيح هو أنه تم الترويج لتلك الكتب؛ وقد أكون أنا شخصيًّا أحد المستفيدين الكبار لسحب كتبي من المعرض؛ فبعد إعادةِ بعضها من جديد، حققت هذه الكتب نسبة كبيرة من المبيعات، وهي التي كانت تُعرض من عام 2015 و2016، وهذا بدوره حمّسني أن أكتب رسالة لأحد المسؤولين مذكِّرًا إياه بأنّ اللجنة نسيت كِتابًا واحدًا لي لم تصادره، وهو كتاب "الطريق إلى القدس"، لعله يجد الإقبال نفسه الذي لقيته بقية كتبي.
نستطيع أن نقول إنّ الذي حدث في معرض مسقط الأخير للكتاب، هو مؤشرٌ غير إيجابي، إذا استمر الأمر على هذا المنوال في السنوات المقبلة، لأنّ ما حدث قد أثر على تلك السمعة الطيبة التي اكتسبها معرض مسقط الدولي للكتاب في السنوات الماضية، إذ كان يختلف عن بقية المعارض العربية، من حيث ندرة الكتب الممنوعة. وإذا ما تراجعت عُمان في التصنيف السنوي لمؤشر الحريّات، فلن نستطيع أن نقول إنّ ذلك ليس صحيحًا، فما حدث في المعرض الأخير يُثبت ذلك، ولن تنفع تلك العبارات التي نستخدمها دائمًا بأننا "مستهدفون"، فلسنا مستهدفين ولا محسودين، وإنما هي بعض من أعمالنا تشهد علينا. والذي أود أن أختم به مقالي هذا، هو أننا نخشى أن نبكي "عُمان قبل 2011".