"الرؤية".. الفكر الحصيف نحو المستقبل

شاكر آل حمودة

يأتي "منتدى عُمان للموارد البشرية" في دورته الأولى، بتنظيم من جريدة "الرؤية"، لإيمان هذه المؤسسة الصحفية بأهمية الشراكة في النهوض بالتنمية البشرية بهذا الوطن العزيز، وترجمة للتوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- بأهمية تعزيز الموارد البشرية والنهوض بها وتنميتها وتطويرها، بما يتناسب والتطور المذهل والمتسارع للعنصر البشري والشكر والتقدير لوزارة الخدمة المدنية ومعهد الإدارة العامة، على جهودهم النيرة، ولكل متطوع يُسهم في إثراء الحراك المعرفي، وكل ما يحيط به من مقومات التقدم والنجاح.

ومن منطلق مبدأ "من لم يتجدد سوف يتبدد"، بات لزاماً أن يكون الاهتمام أكبر مع مرور السنوات؛ وذلك لإيماننا جميعاً بأن العنصر البشري هو من يقع عليه الرهان للمستقبل، وأن العقول وبناءها للأجيال القادمة هو أمر حتمي، والشواهد ثوابت لكل من انتهج هذا النهج؛ فالعقل البشري هو مصدر متجدد، واستقراء الواقع الراهن وما يعتمل حوله يجب أن يكون بعين فاحصة، والنظر للمستقبل بعين أخرى هو أمر مهم جدًّا، خصوصاً في هذه الفترة الحرجة التي يمر بها اقتصاد المعرفة، وما يشهده العالم من تحديات عصيبة، ونحن بالطبع جزء لا يتجزأ من هذا الواقع الراهن، نقف على مساحة واحدة؛ سواء أفراداً أو مؤسسات بجميع القطاعات ومختلف المجالات.

إنَّ تعزيز مبدأ الشراكة مهم جداً وأن المسؤولية الاجتماعية يجب أن تكون في مقدمة الأولويات، ومما لمسناه في السنوات الأخيرة أن جريدة "الرؤية" تسنَّمت هذا الاهتمام  من خلال الجهود الكبيرة التي تبذل لإذكاء شأن المعرفة والمسؤولية الإجتماعية، وتعزيز الشراكات ودعم المبادرات بكافة أطيافها؛ من خلال منظومة من المناشط المدروسة والتي نفذتها ولا تزال على النهج مستمرة؛ سواء في الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي أو المعرفي، وهذا هو أعظم استثمار ودليل جازم على إيمان القائمين على التخطيط في هذه المؤسسة بأن لهذا الواطن واجبا كبيرا يلزم الجميع القيام به، ولقد شدني كثيراً اهتمامهم بمجال المبادرات الشبابية، وحرصهم على رعاية وإبراز طاقات الشباب الإبداعية شبابا وشابات، الطامحين للمستقبل والمتعطشين لتقديم الكثير من الإنجازات لهذا الوطن المعطاء.

إن قيام "الرؤية" وفق رؤى إستراتيجية بإذكاء هذه التنافسية بين الشباب، وتشجيعهم وتكريمهم، لهو أمر كبير يحسب لها في النهوض برسالتها، وترجمتها على أرض الواقع لإنجازات، ولقد حضرت العديد من تلك المبادرات والفعاليات، وسرُرت كثيراً لما رأيته على محيا الشباب؛ حيث ترتسم الآمال والتطلعات على ملامحهم، وتعكس حجم الشغف لديهم لتحقيق المزيد من المكاسب التي سوف نباهي بها العالم، إن استمرار الدعم والعمل عليه بخطط محكمة سوف يكون رافداً مهمًّا لإنجازات هذا الوطن العظيم.

إن المسؤولية الاجتماعية تقع على الجميع، والمجال مفتوح لإثبات الوجود لكل المؤسسات، وواجب عليها أن تسهم وترعى وتهتم بطاقات الشباب الإبداعية، لنقدمها للعالم أجمع ونتباهى بها؛ فالعمانيون منذ القدم كانوا سفراء للإبداع والعلم والمعرفة، وسيكونون كذلك اليوم وغداً بإذن الله تعالى، كما أنه لابد تحت إطار هذه المسؤولية وضع ميثاق لتلك الشراكة بتحديد معالمها وآفاقها، والعمل على أطيافها المتعددة، وأنه بات لزاماً أن الفكر التطوعي يجب أن يحظى بمجال أكبر، وأنَّ تبنِّيه أمر ملزم لكل مؤسسات المجتمع على حد سواء؛ ليس لأجل الظهور والتبني، ولكن لأجل أن نسعد جميعا بهذه الالتفاته عندما نحصد نجاحاتها.

... إنَّ المخاطر والأزمات والكوارث التي يشهدها العالم اليوم تجعل من الأهمية بمكان تعظيم العمل الجمعي والتكاتف واللحمة من أجل تعزيز وتقوية البناء من الداخل وإثراء قيمة العمل المنتج للوصول إلى التنافسية العالمية؛ حيث بات العالم اليوم صعباً، ولا يلتفت إطلاقا لهشاشة المعرفة وضحالة الإنتاجية، ولن تجد لك فيه موطئ قدم إذا لم تكن جديراً بذلك، ليكون لك وقفة متزنة وخطوات مدروسة.

لكل ذلك، الأمل كبير من خلال "منتدى عمان للموارد البشرية" في أضلاعه الثلاثة التأهيل والتوظيف والتمكين، في نسخته الأولى للعام 2018م، أن يخرج بتوصيات تكون لها نافذة وتجد طريقها للتفعيل في كافة المحاور، مع إنعاش الإنتاجية وبث التحفيز المدروس والممنهج في المؤسسات الحكومية والخاصة والعمل على سن قوانين وتشريعات عملية، تجعل من بيئة العمل بيئة جاذبة، وتتحلى بالشفافية والتنافسية بصورة أكبر، وعلى مسافة واحدة من الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وبما يحفظ لكليهما النمو والتكامل بمشيئة الله تعالى، خصوصا التركيز يجب أن يكون على إبراز التعاضد في الحقول والمجالات ذات النسق الواحد، والطبيعة المتجانسة بين المؤسسات، وبالطبع هذا الجانب يُسهم كثيرا في تبادل الخبرات والاستثمار المشترك، وتخفيف الهدر الناتج من سوء التخطيط والنمطية والتكرار في الموازنات، كما أن ضمان العدالة في الحقوق والواجبات وفق التشريعات والقوانين لهو أمر في غاية الأهمية؛ سواء ما يتعلق بالموظف أو المؤسسة؛ لأن الصورة الذهنية للمؤسسات ما هي إلا ترجمة لعدة اعتبارات، خاصة فيما يتعلق بالرضا والولاء الوظيفي، والتقدير المنطقي السليم للتسكين، بعيداً عن السياسات الرجعية التي إن مُورست فإنها سوف تعصف بالإنتاجية، وتقلب الموازين، وتزيد من أوجاع المؤسسات، ولن تجد طريقا للإنجازات الحقيقية، بل ستفضي -لا قدر الله- إلى انهيار الولاء الوظيفي والإبداع والابتكار في بيئة العمل؛ كونها غير محفزة وغير جاذبة .

عندما تحدث جلالة السلطان -حفظه الله- في إحدى جولاته السامية، أكد على أهمية العمل على إذكاء اقتصاد المعرفة، وأنه المصدر العظيم الذي لا ينضب، وهذا التوجيه السامي يلزمنا جميعاً أن نعمل عليه كل في مجال اختصاصه ووفق المسؤولية المناطة به.

يقول غاندي: "إن جرام واحد من الممارسة الفعلية أفضل من طن من المواعظ".

وفَّق الله الجميع لما فيه الخير والنجاح لهذا الوطن، في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم -حفظه الله ورعاه- متمنين لأعمال "منتدى عمان للموارد البشرية" التوفيق والسداد في إثراء واقع الموارد البشرية، بما ينهض به نحو مستقبل أكثر إشراقاً ونجاحاً.

تعليق عبر الفيس بوك