سحب سوداء في سماء انتخابات غرفة البحرين

عبيدلي العبيدلي

بدأ العدُّ العكسي لموعد تقديم قوائم المترشحين لانتخابات غرفة تجارة وصناعة البحرين 2018، وبدأ مارثون التحشيد، المعلن وغير المعلن عنه يقترب من وسط الطريق الذي يفصله عن نتائج الانتخابات، التي تجري هذا العام في ظروف مختلفة، وعلى أكثر من مستوى.

فعلى المستوى الوطني العام، تأتي انتخابات الغرفة في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، من حيث شدتها من جانب، واحتمال طول أمدها من جانب آخر. وما يفاقم منها، ويزيد من تشاؤم المواطنين، بمن فيهم القطاع التجاري بشأنها، صعوبة التكهن بموعد انقشاع غيومها، ليس بفضل تراجع أسعار النفط فحسب، وإنما لارتفاع حجم الدين العام أيضا، وما يصاحب ذلك من تردي أوضاع المنطقة السياسية والعسكرية؛ الأمر الذي من شأنه مضاعفة احتمال زيادة حجم هذا الدين، وتعسر ظروف سداده، سوية مع ثقل الأعباء المالية التي سوف يتحملها المواطن.

أما في نطاق ظروف نظام انتخابات الغرفة ذاتها؛ فهذه هي المرة الأولى في تاريخ الغرفة، التي تصبح العضوية فيها شرطا ضروريا لصلاحية عمل السجل التجاري؛ الأمر الذي رفع عدد من بات يحق لهم التصويت إلى رقم قياسي غير مسبوق هو الآخر، يتجاوز الستين ألف عضو. ترافق كل ذلك مع حظر حق التخويل بالتصويت، وهو الآخر من شأنه التأثير بشكل كمي ونوعي على مسار حركة الأصوات، ومن ثم نتائج الانتخابات القادمة.

المستوى الثالث هو زيادة عدد السجلات التجارية، ومن ثم من لديهم حق التصويت، بفضل التطور الذي عرفته السوق البحرينية، جراء خضوعها لآليات ما أصبح يعرف باسم اقتصاد الإنترنت، الذي شجع عددا لا يستهان به من الشباب على ممارسة العمل التجاري، الذي بات يمكن ممارسته بكلفة أقل، وتعقيدات أدنى، وعلى وجه الخصوص في القطاع النسائي؛ مما ضاعف أعداد -لا يمكن تجاهلها- من باتوا يملكون بين أياديهم حق التصويت. هذا بطبيعة الحال يغير كما ونوعا من ديموغرافية العملية الانتخابية. إيجابية هذه الظاهرة اقتصاديا، لا ينبغي أن تمنعنا من تشخيص انعكاساتها على مكونات العملية الانتخابية.

المستوى الرابع: هو تراكم المشكلات التي رافقت مسيرة مجلس الإدارة الأخيرة. وبعيدا عن شخصنة الموضوع، أو الدخول في متاهات الصراعات التي أفرزها، أو حرف الأنظار عن المكونات الحقيقية لتلك المشكلات التي كانت إفرازا طبيعيا ومنطقيا لنتيجة الانتخابات السابقة، لا بد من الاعتراف بأنَّ هذا الواقع سوف يترك بصماته الواضحة على مسار الانتخابات القادمة، بما فيها توزيعات الأصوات، وطرق انحيازاتها، ومكونات اصطفاف الناخبين الذين يقفون وراءها، أو وراء التحشيد الانتخابي الذي بتنا نلمسه اليوم.

لكن بعيدا عن هذه العوامل التي يُمكن تصنيف البعض منها بأنها طارئة، هناك عامل خامس آخر لا يمكن السكوت عنه، بل ينبغي إضافته، ولا بد من امتلاك الجرأة على البوح به، وهو العامل الطائفي، الذي بات يفرض وجوده على نحو غير مسبوق على انتخابات الغرفة. وقد بدأت ملامحه تلوح في الأفق، وبات من المنتظر أيضا أن يزج بأنفه القبيح في عملية انتخابات 2018. وطالما ليس هنا زمان، ولا مجال توجيه الاتهامات نحو فريق دون آخر، فمن الضرورة بمكان التحذير من مغبة انتعاش هذا العامل، وتدخله في مسيرة الانتخابات ونتائجها، مع التنويه إلى قدرة الغرفة على النأي بانتخاباتها، لما يزيد على الربع قرن من تاريخها عن كل ما له علاقة بالطائفية، او التمييز العرقي أو الديني، في عمليات الترشيح، والتصويت، ومن ثم النتائج التي تترتب عليها. ولن يكن الأمر مقتصرا على التجار لوحدهم، بل امتد هذا السلوك غير الطائفي في القطاع التجاري ليشمل الدولة أيضا التي تملك بين يديها نسبة لا يستهان بها من الأوراق الانتخابية، بما لديها سجلات الشركات التي تملكها، فقد عرفت مجالس الغرفة منذ تأسيسها في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، مجالس إدارة تنوعت أديان، وعقائد، بل وحتى أجناس من شغلوا مقاعد تلك المجالس. وشكلت الغرفة، بفضل ذلك السلوك الحضاري المتقدم، معلما من معالم التعايش المجتمعي المتحضر الذي عرفت به البحرين في تاريخها الحديث، والمعاصر، والتي هي على وشك أن تفقده، إذا ما قدر لسحابة الطائفية السوداء أن تنجح في الوصول إلى سماء انتخابات الغرفة 2018.

وليس من المستبعد أن نسمع أو نقرأ، أو نتلقى عبر قنوات ووسائل التواصل الاجتماعي، ما يحمِّل برامج كتل انتخابية مغلفة بعبارات من السلوفان، لكنها في حقيقة أمرها تروج لمشروع طائفي، سينسف، إذا ما قدر له النجاح، أعمدة كيان الغرفة الرئيسة التي يقوم عليها بنيان الغرفة غير الطائفي.

من المجحف، بل ربما من غير الإنصاف توجيه أصابع الاتهام نحو طائفة دون أخرى؛ فالحديث عن السحب الطائفية السوداء التي باتت تلوح في الأفق وهي تزحف برائحتها الكريهة نحو سماء انتخابات الغرفة لا يستثني طائفة دون أخرى، ومن ثمَّ فالجميع مطالب، إن شاء المجتمع التجاري أن ينأى بنفسه عن السلوك الطائفي البشع، بأن يقف في وجه تلك السحب ويحول دون وصولها لصناديق الاقتراع، فوصولها يعني كارثة مدمرة لن تشفى الغرفة من تداعياتها لأجيال قادمة.

وما ينبغي التنويه له هنا، والتحذير منه أيضا، أن تلك السحابة قد توهم من سوف يستخدمها أنه حقق انتصاراته على الآخرين بفضل أمطارها السوداء، لكنه لن يلبث يكتشف أن مثل تلك الانتصارات القائمة على باطل، لا تملك قدرة الصمود والاستمرار في وجه السلوك الحضاري الذي عرف به المجتمع التجاري البحريني، ومن ثم سوف يجد -لكن بعد أن ألحق بالغرفة ما ألحق بها من أضرار- أن رماحه ترتد إلى نحره.