سؤال في التفسير:

وقفة لغوية وبلاغية مع آية قرآنية (23)

أ.د/ سعيد جاسم الزبيدي – جامعة نزوى


مازلنا رهن الإجابة على سؤال تلميذي النجيب: هل لك أن تبيّن لي تصورك عن فواتح السور في القرآن الكريم كلها بنظرة منهجية؟
فرتبتها إجمالا على ست مجموعات وفي هذه الحلقة سوف نتناول المجموعة الرابعة، وهي
السور التي أولها نداء، وهي عشر سور:
-    النساء (مدنية) أولها: (يا أيها الناس اتّقوا ربكم...).
-    المائدة (مدنية) أولها: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود...).
-    الحجّ (مدنية) أولها: (يا أيها الناس اتقوا ربكم...).
-    الأحزاب (مدنية) أولها: (يا أيها النبي اتق الله...).
-    الحجرات (مدنية) أولها: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا...).
-    الممتحنة (مدنية) أولها: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي...).
-    الطلاق (مدنية) أولها: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء...).
-    التحريم (مدنية) أولها: (يا أيها النبي لِمَ تحرم ما أحلّ الله لك...).
-    المزمل (مكية) أولها: (يا أيها المزمل...).
-    المدثر (مكية) أولها: (يا أيها المدثر...).
في هذه المجموعة التي تصدّر النداء آياتها ترجّح المقصود بالنداء (المنادى) بين الخصوص والعموم، وكان الخصوص طريقاً إلى أنّ الخطاب بأسلوب النداء تخصيص النبي – عليه الصلاة والسلام – على البلاغ، وأخذ العهد منه بمطالبة المؤمنين الصادقين أن يظهروا ما في باطنهم من الصدق، وأن يقول لأمته الأحكام التي قررها الله في السور التي تضمنتها.
وأما العموم في النداء فخطاب مقصود سواء أكان بـ (يا أيها الناس) أو (يا أيها الذين آمنوا) وما تضمنه من أحكام بين الناس، وما تعلّق بها من أحكام الأموال والمواريث والمصاهرة وغير ذلك، ولا أرى أنّ عبارتي النداء دليل على مكيّة السورة التي ذُكِرَ فيها (يا أيها الناس) ولا مدنية (يا أيها الذين آمنوا)(1)، وقيل في هذا نظر(2)، لأن ما ورد فيهما من أحكام تشمل المؤمنين وغير المؤمنين في لزومها لتنظيم العلائق بين البشر: مؤمنهم، وكافرهم.
وربّ معترض يرى أنّ (يا أيها المزمل) و(يا أيها المدثر) لا يدخلان في ما تقدم من قول، فنقول: إنّ فيهما دعوة إلى الاستعداد النفسي بالتفرغ التام للتوجه إلى الله، والانقطاع إليه، ومن خلاله – عليه الصلاة والسلام – يتوجه الخطاب الإلهي إلى كلّ من صدّق بالرسالة، ومن صدّ عنها في وصف دقيق تضمنته سورتا (المزمل) و(المدثر)، والله أعلم .
...........................
المصادر:
1ـ ينظر: الزركشي: البرهان في علوم القرآن، 1/242 .
2ـ ينظر: نفسه، 1/244-245 .

تعليق عبر الفيس بوك