المسؤول والمواطن والغلاء

 

سيف المعمري

قبل عدة سنوات، وحينما كانت أسعار برميل النفط في أوجها، والتي تجاوزت 100 دولار أمريكي، حدثت علاقة طردية بين ارتفاع برميل النفط الملحوظ، وبين ارتفاع أسعار معظم السلع والخدمات في أسواقنا المحلية وأسواق المنطقة، وكان المواطن يصرخ بأعلى صوته لمعرفة: إلى أين سيصل مسلسل ارتفاع السلع، خاصة الأساسية منها كالأرز والطحين والسكر والزيت...ونحوها؟!!! حيث تجاوزت الارتفاعات 100% في تلك السلع، مما حدا بأحد كبار المسؤولين في حينها إلى تقديم علاج سريع للمستهلكين من خلال الالتفات إلى خيارات أخرى غير السلع ذات الجودة العالية التي اعتادوا عليها، كناية عن البحث عن أرخص السلع، وليس أجودها، ومعه كان صراخ المستهلكين يتصاعد من تلك الارتفاعات غير المسبوقة، ثم يأتي مسؤول آخر بالقول إن ارتفاع السلع وخاصة الأساسية منها حالة طبيعية بالنظر لارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية؛ حيث إن معظم السلع الأساسية مستوردة، ولها علاقة مباشرة بارتفاعات أسعار النفط، وقد قضى المسؤول بها على آخر أمل يحلم به المواطن من تطمينات رسمية، لكن صوت المواطن وصل إلى عناية الأب الكريم والذي وجه بأوامره السامية الكريمة باستحداث علاوة غلاء معيشة لموظفي الحكومة، لتتسابق مؤسسات القطاع الخاص إلى صرف ذات العلاوة لموظفيها أسوة بإخوانهم في القطاع الحكومي.

وشاءت الأقدار أن تنخفض أسعار النفط بشكل حاد منذ أواخر عام 2014، ومعها سعت الحكومة جاهدة للبحث عن حلول سريعة وفاعلة لتلافي تأثيرات تلك الانخفاضات على الاقتصاد الوطني العُماني، مطمئنة المواطن بأن الإجراءات التي تتبعها لن تمس حياته المباشرة، ومؤكدة في ذات الوقت على ضرورة أن يعي المواطن تلك الظروف ويتعاون معها، وبدأت الإجراءات تدريجيا وصولا إلى رفع الدعم عن الوقود في مطلع عام 2016م، والذي تمثل للمسؤولين كأحد أهم الإجراءات الناجعة لتقليل الضرر على الاقتصاد الوطني من الانخفاضات الحادة لأسعار النفط.

وتقبل المواطن وتفهم أهمية الإجراءات المتبعة بعد التأكيد على أن رفع الدعم عن الوقود لن يمس بشكل مباشر معيشته، وأن ارتفاع تسعيرة النفط لن تتجاوز 40 بيسة للتر الواحد، وكان ذلك إبان أوج أزمة الانخفاض الحاد لأسعار النفط، والتي انخفضت إلى ما دون العشرين دولارا للتر الواحد.

وبدأ التعافي التدريجي لأسعار النفط منذ النصف الثاني من العام 2017م، والمواطن يتسمر على الإذاعات والشاشات فرحا بتعافي أسعار النفط، وفي الوقت ذاته يترقب نهاية كل شهر ميلادي إعلان تسعيرة أسعار المنتجات النفطية للشهر التالي، والتي كانت تمثل له استفهامات لم يجد لها إجابات مقنعة، حيث إن تسعيرة المنتجات النفطية تزيد تدريجيا مع ارتفاع برميل النفط في الأسواق العالمية، وبلغت الزيادة إلى 98 بيسة في اللتر الواحد، على عكس ما كان إعلان المسؤول في بداية أزمة الانخفاض الحاد للنفط، والمواطن مذهول ولسان حاله يقول: ارتفع النفط سأتضرَّر، وأنخفض النفط سأتضرر.

ومع التعافي التدريجي لأسعار النفط في الأسواق العالمية، فمن غير الممكن -من وجهة نظري- أن يطالب المواطن أن تعاد تسعيرة المنتجات النفطية إلى سابق عهدها قبل أزمة الانخفاض الحاد، في ظل توجه دول المنطقة قاطبة لرفع الدعم عن المنتجات النفطية وبآلية التسعيرة الشهرية، لكن من الممكن جدا أن تبادر الحكومة لدراسة شاملة عاجلة لأسعار جميع السلع والخدمات، والتي تكبِّد المواطن أسعارًا إضافية فوق طاقته، والتي لا يتسع المجال لذكر تفصيل عنها بين ما كانت، وكيف أصبحت؟! فضلا عن أن آلية منح الدعم الحكومي لبعض الفئات من أبناء المجتمع بحاجة لإعادة نظر لتوسيع سقف المستحقين، وكذلك رفع عدد اللترات إلى أكثر من 400 لتر لكل مستفيد دون تحديد لنوعية البنزين؛ إذ ليس من المستساغ أن يتم إلازم المستفيد من الدعم بتعبئة سيارته ببنزين 91 والسيارة مهيأة لبنزين 95، كما أن من الممكن على الحكومة أن تعيد النظر في علاوة غلاء المعيشة، ليوازي رفعها حجم الارتفاعات التي زادت على المواطن بعد الانخفاض الحاد لأسعار النفط.

وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت...،

saif5900@gmail.com