القلـبُ الذي لَـمْ يَكبُـــرْ..!!

رُبَى الحايك – سوريا

 

أيها القلبُ الذي لم يكبر!!
لاتعتبنّ فإنّ الدهر يُتْعِبنا، وإنّ الدهر يُبكينا، ويشقينا.. مثلك نحن.. أَتْعَبَتنا الصباحات حدّ السعادة.، وأسعدتنا حدّ التعب
وها إني أراك في تجربتك قد وصلتَ مع الأيام حيث يكون اللون الأسود هو البياض الوحيد أمام العين، هو الحقيقة الجليّة..
**
يا أيها القلب الذي لم يكبر..
كيف يمتدّ على نبضك هذا الشقاء، كيف تمضي مع سرابه..؟؟
ابتهجْ في فقرك الأغنى، وابتهجْ ما مات الضياء...
أيها القلب الذي يرفضُ أن يكبر مثل طفولة كلّ شيء، مثل تجربةٍ أولى لكل خطوة مختلفة..
ما لي أراك تشهق بالفكرة قبل أن تضع قدميها على ناصية الرحيق الأخير من موعدٍ آخر مع جنون المفارقات العجيبة..
قد نشرتَ من رزمات مدامعك أغلفةً لأيامك، وعَنونتَ عليها مفارقات عقول مضحكة، قبل أن تعود إلى صفحتك الأولى تجرُّ حسرةً تغلسك بدمع مآقيها، تشهد كيف يضحك على غصّة قوافيك الغرباء، وتصعد سلالم موسيقاك الأصوات الشَّاذة..
***
يا أيها القلب الذي لم يكبر..
هكذا دون مبرر تفترش الأرض وتنام على الذاكرة.. تستذكر كل تفصيل كخنجر في الحنايا يسري مع هسيس الأوردة..
 تناجي..  هنا رقَصَ أملٌ، هنا تضاحك حبيبان، هنا عبرنا، هنا مررنا، هنا صرخنا، ضحكنا، مشينا.. أنهكتَ نبضك بالبحث عن الدروب أين ذهبت.. عن الحجارة، عن ذاتك في الأمس.. وكان عليك أن تمضي لتمسك الغد بعيون هذا اليوم..
 لاتجرح إحساسك بموته، لا تكن حِملاً ثقيلاً على كاهل خطاك.
أين سريرك.. سريرتك.. سرّك..؟! وهذا الوقت مالُك.. كنزك.. لاتبعثره على الوجوه المترامية بين ضفتَيّ الحياة.. ولا على مشاهد الزيف المبتكرة في وجعها وألم جنونها..
منذ رحل آخر حلم لك والطريق ينتظر حلما مقبلا.. منذ صار يُتمُك حالةً، وعدد الراحلين أكثر ممن تبقى.. أصبحتَ غنياً بذاتك.. فلا تبتئس..
منذ رحل آخر حبيب لم يغبِ الأحبة، بل تركوا المجال لمن هم أفضل، وأولى وأقرب..  منذ أخذت حافلة الخذلان آخر يدٍ تسقط بدأ بريقك في الحركة.. فانتعش ياأيها القلب الذي لايريد أن يكبر..
***
عليك بالفرح ياقلب.. لا تعبث بوقتك، قد قال الطريق: تراكمت الحيرة وتزاحم الشجن. رُدّ عليه بمعرفة اليقين.. إنه صوت الأخلاق والحياة، الحبّ والعمل.. لاتتوقف، ولاتبكي، ولاتركع على ركبتَي صدمتك.. أعرفُ أنّ الحال مجرورة قوائمها، لكن لاتتوقف.. ابتسامة الذات ترفعها.. وتبعثُك عبقاً بانتظار الميعاد المقبل.. اِصنع مواعيدك ومحطاتك وألقك.. صدقني، لاأحد غيرك يمكنه أن يفعل هذا..
**

يا أيها القلب الذي لم يكبر..!!
مكسورةُ الحزن أوراقك.. مثلما البنفسج يهمي.. مثلما.. يلعب بالأحلام فتيٌّ.. مثلما تحتضن السماء الوهم والوهن.. مثلما تبكي على الحب مراهِقة، وتبكي على الخبز أمّ.. مثلما يستيقظ الماء من فم النبع.. مثلما يغرب من يد الموت موتٌ.. ويقتات على عنف هذا الدهر قلبٌ، ويحكي شجونه البكاء.. وترسمها كفٌّ فرّت منها الأنامل والشموس والأحاسيس العتيقة..

***
يا أيها القلب. الذي لايريد أن يكبر..!!
 أنت كبرتَ ولم تمتْ
قد تكون أدركتَ مؤخراً أنه عليك قبل أن تبدأ بعدِّ سطور الحياة، أن تجمع أحلامك التي تتكاثر كلما تقدمتَ مع الذاكرة..
صمتك، قسوتك، وحدتك وفي عزلتك دليلُ شيبٍ وحكمة..
تأرجح باللحظات ولاتدعها تؤرجحك، واستقلّ حافلة اليوم لأن الغد لن ينتظرك كثيراً
 أنت قد كبرت.. ردود فعلك.. صمتك، قسوتك.. دليلُ الشيب كلما غادَرَك إحساسٌ أحببته.. دليلك أنك كبرت
عليك أن تُطعم ابتسامتك من خبز من تلاشوا عبرك ياقلب..
واِمضِ  فالسرّ في هدبك.. والنور في نبضك..
يا أيها القلب. الذي لايريد أن يكبر..!!
 أنت كبرتَ لكنك لم تمت.

تعليق عبر الفيس بوك