عماني يستمع للـ (بي بي سي)

محمد بن عيسى البلوشي

قد لا أكون أول من يستمع إلى الإذاعة العالمية الـ (بي بي سي) التي تجاوز عمرها الثمانين عاما، ولست بالكاد الأخير، فهناك أجيال سبقتنا من آبائنا وأجدادنا كانت تداوم على سماع أخبار وبرامج هذه المؤسسة العريقة، وأجيال ممن نسبقهم أو يسبقونا هم متشبثون بهمزة الوصل الجميلة التي يبثها الصوت الرخيم للزميل العربي محمود المسلمي، ليظل السؤال الأهم مطروحا كلما تحدثنا عن الـ بي بي سي: كيف استطاعت أن تأسر مسامع ملايين المستمعين لها في العالم العربي إلى هذا اليوم؟ ولعلي أبحث معكم كي أصل إلى بعض أسرار الإجابة.

كان والدي ولا يزال عندما تتاح له الفرصة يبحث في الراديو القديم طبعا عن الموجة الأقرب للبي بي سي، وكان يقول إنّ الأخبار التي تأتي بها هي أخبار كثيرة وتجمع العالم. وأعتقد أن حديث معظم من هم في سن والدي أقرب إلى الدقة والموضوعية عندما أتعرف اليوم من خلال هذه الإذاعة على ما يحصل في كل العالم، بل أجد أعمق من ذلك هو طرح المواضيع بطرق وأدوات أكثر احترافية وتفصيلا، ليس على مستوى المواضيع السياسية فحسب بل حتى على القطاعات الاجتماعية والثقافية والإنسانية والاقتصادية، وهذا ما يجعلنا كجيل أكثر اطلاعا وثقافة عبر متابعتنا اليومية لتلك المواضيع.

حقا ما جعلني اليوم أتابع الإذاعة البريطانية، هو طريقة طرح المواضيع والأسلوب الإعلامي الذي أبني معه كمستمع فكرة الموضوع وحجم وغزارة المعلومات التي استقبلها، وحجم ونوعية التأثير للمواضيع المطروحة، ولم تمض ساعة إلا وأكون أكثر شوقا بأن أستمع لساعة إضافية ولا ينتهي برنامج إلا وأنتظر الآخر، وهذا ما يجعلنا نؤكد على الدور المهم الذي تقوم به المؤسسات الإعلامية في بث الوعي المعرفي للقضايا التي تمر بها المجتمعات وتحصين أفراده بالمعلومة الصحيحة والتحليل السليم للوصول إلى أفضل الممارسات المعينة على غرس بذور السلام والتعايش وتعظيم الجهد المبذول لخدمة ورفعة البشرية.

إنّ إذاعاتنا بحاجة ماسة إلى تطوير أدواتها المستخدمة وأن تأخذ التنويع مبدأ لكل مرحلة، فالصورة الحالية أراها متشابهة بين أغلب الإذاعات إن لم يكن جميعها وتقدم نفس المنتجات، ولكن بأسماء وأصوات متعددة، وفي كثير من الأحيان تعتمد في بثها على الموسيقى والأغاني، ولربما كان لتلك الإذاعات أسبابها، ولكني كمستمع أحتاج إلى برامج أكثر تخصصية وتعطي الآفق في المجالات التي يهتم بها العامة، ولربما كان هذا الموضوع مجال بحث للجهة المسؤولة عن إعلامنا المحلي.

لا شك أن المتابع للإعلام يحتاج في كثير من الأحيان إلى فهم بعض الوقائع التي تحدث على مستوى حياته وواقع حال مجتمعه، وهو بلا شك حريص على فهم أبعاد هذه الفعاليات والمناشط، وأيضًا التطورات كي يعظم العائد الإيجابي ويدرأ عن نفسه أية تحديات أو صعوبات قد تكون أمامه.

إنّ سرعة التطورات التي تحدث في عالمنا والمتغيرات التي تطرأ في قضاياها يجعل من أهمية تطوير أدوات الإعلام أكثر أهمية ومطلبا أساسيا، وهذا ما أجد له مساحة بحثية يمكن للمهتمين دراسته لتسليط الضوء على واقع المؤسسات وكيفية استثمار التطورات في خدمة رسالتها الوطنية.

@pr_alwaraq

الأكثر قراءة