عبيدلي العبيدلي
خلال السنوات الثماني الماضية، تعرَّض أداء غرفة تجارة وصناعة البحرين للكثير من الانتقادات؛ البعض منها مس صميم الأنشطة والفعاليات التي قامت بها الغرفة خلال تلك الفترة. ليس هنا مجال الخوض في تفاصيل ما تولد عن تلك الانتقادات، ولا تناولها بالعرض أو التقويم، فما هو أهم من ذلك هي التداعيات التي ولدتها، وانعكاس ذلك على وضع الغرفة، ونشاطاتها، ومن ثم الثقل الذي تحظى به في المحيط الذي تخاطبه، وتدافع عن مصالحه.
فمن أبرز تلك الانعكاسات، كان انتقال دور الغرفة من شريك حقيقي في تقرير مصير حركة المجتمع التجاري والصناعي البحريني، إلى مجرد جهة استشارية في الاتجاه ذاته. هذا الواقع الجديد، نجح في تجريد الغرفة من الثقل الذي كانت تحظى به في المجتمع الذي تمثله وتدافع عن مصالحه، وحرمها من ممارسة دور نَعِمت به، وتولَّت مسؤولياته، منذ تأسيسها في الثلاثينيات من القرن الماضي؛ كونها منظمة المجتمع المدني الوحيدة التي تستحق ذلك.
لم يأتِ هذا الدور من فراغ، بل استحقه التجار، ومعهم الغرفة التي أسسوها بفضل ما كانوا يمارسونه في المجتمع. وفي البدء لا بد من الإشارة، وعلى نحو واضح إلى الدور المشرف الذي يحمله التاجر البحريني، عندما يتعلق الأمر بالمسؤولية المجتمعية والوطنية على اكتافه منذ عشرينيات القرن الماضي، والذي يلخصه الكاتب غسان الشهابي، عند حديثه عن "الحركة الوطنية البحرينية"، نقلا عن مفيد الزيدي، حين يصف نشاطها قائلا: "قد ساعدت هذه الظروف على تنامي المطالبة بالإصلاح في صفوف رؤساء القبائل والتجار والمثقفين الذين قدموا مطالبهم إلى الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (1869-1923) وتضمنت:
1- تأسيس مجلس تشريعي.
2- تعريب أجهزة الإدارة التي تسربت إليها عناصر موالية للسلطة.
3- تطبيق العدالة الاجتماعية ووقف التلاعب والاستغلال التجاري، ووضع قوانين عادلة تنصف عمال الغوص.
4- الحفاظ على المناخ الثقافي في أجواء الحرية الكاملة.
5- تحقيق قدر من الديمقراطية، والحد من سلطات الحاكم.
6- وقف تدخل بريطانيا في الشؤون الداخلية، وحصر ذلك في القضايا الخارجية بحسب المعاهدات الموقعة بين البحرين وبريطانيا.
فاستجاب الشيخ لهذه المطالب تجنباً لحدوث مواجهة مع الشعب، واستكمال مسيرة الإصلاح التي حاول المضي فيها منذ مطلع العشرينيات".
وفي السياق ذاته، يمكن الإشارة إلى دور التجار في المسيرة التنموية، من خلال تلمسهم للدور الذي يمارسه التعليم في تلك المسيرة، فنجدهم، كما يقول موقع "وكالة أنباء البحرين" الرسمي: "عندما أدرك أهالي البحرين أو بالأحرى أهالي المحرق من حكام وشيوخ وتجار ووجهاء البلد في ذلك الوقت، أهمية العلم في حياة الشعوب، بدأ هؤلاء في الاكتتاب لجمع التبرعات لتشييد أول صرح للعلم والمعرفة على أراضي البحرين، وسار الجميع حكاما وشيوخا وتجارا في تنفيذ ذلك الحلم الذي أصبح حقيقة في العام 1919م، حيث برزت إلى الوجود أول مدرسة نظامية بنيت من مجهودات أهلية مشتركة وهي مدرسة الهدايا الخليفية. وفي العام 1921، بنيت مدرسة ثانية بعد مدرسة الهدايا الخليفية، وكانت في مدينة المنامة، وهي مدرسة الهدايا أيضا، وقد استُؤجر لها في البداية بيت كبير كان يستعمل في الأصل كمقر للمستشفى الأمريكي. أما خلال العام 1927م، فقد بنيت مدرستان آخريان، إحداهما في مدينة الحد، والثانية في مدينة الرفاع الشرقي. ومن الجدير بالذكر أن جميع هذه المدارس الأربع كان يُطلق عليها اسم مدرسة الهدايا الخليفية".
تتجدد مساهمة التجار في التنمية والتطوير خلال حركة 1938 الإصلاحية، عندما طالبوا مرة أخرى بالمزيد من الإصلاحات التي كانت البحرين في أمسِّ الحاجة لها حينذاك، كما يقول عنها الباحث فؤاد طارق كاظم العميدي، أن "قادتها عناصر وطنية من طبقة التجار والطلاب وعمال النفط، وكانت مطالبها متمثلة في إقامة مجلس تشريعي وجعل القضاء بأيدي المواطنين البحرينيين لا العائلة الحاكمة، وتشكيل مجلس إدارة شؤون التعليم وإصلاح الجهاز الإداري، وإبعاد الشرطة الأجانب وإحلال بحرينيين محلهم، وطرد الموظفين الهنود واستبدالهم بموظفين بحرينيين، وتعديل مالية البلاد بصورة تكفل اطلاع الأمة على مصروفاتها ووارداتها وغير ذلك من مطالب".
كل ذلك، وهناك الكثير غيره، مما كتب عن دور التاجر البحريني في مسيرة العمل الوطني، بما في ذلك تنمية القطاع التجاري، يؤكد السمة الريادية التي واكبته، والتي جعلت التاجر البحريني يستحق بموجبه أن يكون شريكا حقيقيا وأصيلا عندما يتعلق الأمر بمصير السوق البحرينية، وتطور دورها الإيجابي في الاقتصاد الوطني. ومن هنا، فمن الطبيعي أن تستعيد الغرفة -بوصف كونها الممثل الطبيعي الوحيد عن التاجر البحريني، والمدافع الأصيل عن حقوقه- دورها كشريك في صنع القرار المتعلق بهذا القطاع وهمومه.
وليس بخافٍ على أحد الفروقات النوعية بين حصر دور الغرفة في دائرة ضيقة ومحصورة من كل الجوانب، يقتصر على الجانب الاستشاري، وبين إطلاق العنان لها، كي تستعيد دور الشريك الإستراتيجي، والمسؤول الأول عن القطاع التجاري؛ فهم الفرق بين الصفتين، يجعل عودة الغرفة لمقعد الشريك، أمر مصيري، ولا يحتمل المساومة.
فصفة الاستشارة تقزم الغرفة، ومن ورائها التاجر وتجردها من تحمل مسؤوليته أولا، والدفاع عن مصالح المجتمع التجاري الحقيقية ثانيا، وتحول بينها وبين التخطيط مع الجهات ذات العلاقة، الرسمية وشبه الرسمية ثالثا وليس أخيرا.
ومن هُنا، ولكي يتسنى للغرفة استعادة مكانتها المهنية، بوصف كونها الوعاء الذي يحتضن قطاع الأعمال البحريني من جوانبه المختلفة، التي ليس في وسعها التحرك الجاد من دونها، فلا بد لها من الانتقال السلس التطوري من المكان الاستشاري الذي هي فيه، إلى موقع الشريك الاستراتيجي الذي تستحقه.
وما لم يتحقق ذلك، فمن الصعب، بل ربما من غير الانصاف، تحميل الغرفة، ما هي ليست مسؤولة عنه، وما لا طاقة لها به.