انتخابات غرفة البحرين بين صواب الاقتراع للكتلة وخطأ التصويت للفرد

عبيدلي العبيدلي

بخلاف موجة البرد اللاسعة التي تهب على البحرين، تجتاح أجواء غرفة تجارة وصناعة البحرين رياح انتخابات المجلس المقبل، وهي منذرة بسخونة غير مسبوقة، تثيرها الظروف المستجدة التي من بين الأكثرها حضورا وتأثيرا العوامل التالية:

1- أصبحت عضوية الغرفة شرطا أساسيا مُرادفا لاستخراج السجل التجاري أو الاحتفاظ به؛ الأمر الذي أحدث تحولا ديموغرافيا في الكتلة الانتخابية التي بات يحق لها التصويت من جانب، ونقلة نوعية في سمات تلك الكتلة من حيث ثقلها المالي، وحضورها الاجتماعي، في السوق البحرينية من جانب آخر؛ حيث تشكلت "جبهات" انتخابية مغايرة نوعا، وكما لتلك التي عرفتها الانتخابات السابقة للغرفة، وعهدها المترشحون لمجالس اداراتها.

2- خيبة الأمل في أداء المجلس النيابي، رغم عدم اتصال ذلك بشكل مباشر بما يجري في كواليس التحضيرات لانتخابات مجلس إدارة الغرفة القادم، وما رافقها من حملات ساخرة مست العديد من أفراده؛ الأمر الذي أعطى انتخابات الغرفة والنتائج المتوقعة منها ثقلا غير مسبوق، قاد إلى اهتمام رجل الأعمال البحريني على نحو أشد، بمسار الانتخابات، ونتائجها المتوقعة.

3- شائعات تتصاعد أصواتها تشير بأصابع الاتهام نحو نزوع البعض نحو اللجوء إلى أساليب لم تعهدها انتخابات سابقة؛ مما أثار حفيظة بعض الكتل المنافسة، وشجع البعض الآخر على بذل المزيد من الجهود لضمان سير الانتخابات وفق أسس شفافة، تلتزم بمقاييس التصويت السليمة المتعارف عليها، وتسد فجوات أي إخلال بنزاهة مسيرة العملية الانتخابية.

لكن وبعيدا عن كل تلك الأجواء، هناك ظاهرة أخرى لا تقل خطورة عن تلك التي أشرنا لها، لكنها تخضع لسلوك انتخابي يقترب من السذاجة المهنية، وهي الترويج لمقولة نسبة عالية من الأصوات الانتخابية، التي تُصر على أنها سوف تصوت لفرد أو مجموعة من كتلة، وتمتنع عن التصويت للكتلة بكاملها. تبرر هذه الأصوات سلوكها بأنها لا ترى الكفاءة المطلوبة سوى في ذلك الفرد أو المجموعة، بغض النظر عن النسبة التي يشكلها ذلك الفرد أو تلك المجموعة في الكتلة الانتخابية المعنية. يعكس ذلك السلوك، سمات الذهنية التي لم تزل تسيطر على فهم مجتمع الأعمال البحريني للعملية الانتخابية، والتي يمكن إجمال الأبرز بينها في النقاط التالية:

* ارتفاع نسبة أصوات انتخابية غير بحرينية، وتخندقها في نطاق ولاءاتها الذاتية وانتماءاتها التاريخية، الأمر الذي يدفع الصوت الانتخابي نحو تعصب عفوي، غير مسبوق في تاريخ انتخابات الغرفة، يتحدى تلك التي فرضتها عملية التطور السوقي من جهة، والاقتصادي. وهذه ظاهرة سوف تستمر في فرض نفسها على مسار انتخابات الغرفة خلال فترة يصعب التكهن بالحيز الذي سوف تحتله في تاريخ البحرين المعاصر.

* استمرار سيادة التعصب الطائفي، وسيطرة الانتماء العائلي، اللتين لم يُذِب أي منهما ادعاءات البعض بتحول البحرين إلى مجتمع مدني راق، تسيِّر آليات علاقاته ضوابط مدنية معاصرة، ولا بعض التحولات الشكلية التجميلية التي برزت، بشكل مؤقت هنا، او عبرت عن نفسها في مراحل استثنائية قصيرة هناك.

* التسييس القسري المتواصل، المبطن والواضح على حد سواء، الذي عانت منه انتخابات الغرفة خلال الخمس عشرة سنة الماضية، والذي قاد إلى نتائج انتخابية لا ترقى إلى المستوى المهني المطلوب، ولا الضوابط المدنية السليمة، فأفرز نسبة لا يستهان بها، ولا نعمم فنشمل الجميع، من القيادات غير المؤهلة التي عرفت طريقها إلى مجالس الغرفة السابقة، وتركت بصماتها السلبية الواضحة على البرامج الانتخابية أولا، ونتائج الانتخابات ثانيا وليس أخيرا.

* تدني مستوى الفهم السياسي في صفوف مجتمع الأعمال البحريني، الذي يصر على ترديد مقولة تفتقد إلى أبرز مقومات الصحة، ناهيك عن الاستقامة، تنادي بعزل الغرفة، ومن ثم انتخاباتها، كلية عن مسار الحالة السياسية. هذا البتر العضوي المفتعل يفقد العملية الانتخابية الكثير من حيويتها، ويفسح في المجال أمام الظواهر الانتهازية، وغير المهنية كي تتسرب في دهاليز المسيرة الانتخابية، فتشوه حرمتها، وتحرفها عن المسار الصحيح. يكتسب مثل هذا العزل عن الزج بانتخابات الغرفة في أتون العمل السياسي، في حالة واحدة فقط، عندما يشكل المجتمع التجاري البحريني جمعيته السياسية السليمة. حينها فقط يمكن الحديث عن عملية الفطام التي لها هي الأخرى شروطها، وقيمها ومقاييسها، وتراثها التي يمكن الحديث عنها. مرة أخرى ليست هذه دعة إلى تسييس الغرفة، كما أشرنا أعلاه، ولكن بالقد ذاته، وفي مراحل غياب التمثيل السياسي للتجار، يصعب، بل من الخطأ القاتل، عزل الغرفة، ومن ثم انتخاباتها، عن فضائها المدني المعافى، المتواصل بحبل سرة نقي وسليم، مع محيطه السياسي السليم.

كلُّ ذلك يدفع الناخب باتجاه يجرفه نحو إعطاء صوته لفرد أو مجموعة في كتلة، بدلا من الاقتراع لكل أفرادها، وهو أمر غير منطقي على المستوى النظري، وغير مجد على الصعيد العملي. فبتر مترشح أو مجموعة من المترشحين من كتلتهم الأصلية، هو كمن يقطع حبل سرة الجنين في اللحظة غير المناسبة كي يفصله عن رحم أمه. وهذا يدفع مصير الجنين، والمقصود هنا هو المترشح، نحو المجهول، حيث يسبح المترشح، في حال نجاحه منفردا، أو حفنة صغيرة معه، في بيئة غير تلك التي يحتاج لها، وقادر على التعايش في ظروفها.

وهذا يعني أن الموقف السليم هو التصويت لبرنامج الكتلة، وليس هناك من بوسعه الدفاع عنه، وضمان تنفيذه، من الكتلة التي وضعت أسسه، وتبنت أهدافه. ومن ثم فالاقتراع ينبغي أن يتم للكتلة بناء على برنامجها، بدلا من التصويت لفرد او مجموعة مختارة من بين أعضائها.

ولضمان مجلس جديد قادر على القيام بمهامه ينبغي الاقتراع للبرنامج، ومن ثم الكتلة التي تقف وراءه.