تعقّد المشهد اليمني

لم ينج اليمن منذ العام 2011 من أزمته السياسية الداخلية، وتصارع القوى المختلفة في الداخل والخارج على السلطة، علاوة على التناحر الشديد الذي بلغ حد الاشتباكات المُسلحة بين الأطياف السياسية الداخلية، والتي استحالت حربًا ضروسًا لاحقًا.

المشهد اليمني بطبيعته مقعد، لكن التطوّر الأخير الذي شهدته المدينة الساحلية عدن، والتي تتخذها حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي والمعترف بها دوليا، كعاصمة مؤقتة لها، دفع بالأزمة اليمنية صوب مآلات أكثر غموضًا عما قبل. فالمسلحون الانفصاليون الذي يأملون إحياء "دولة الجنوب" والمدعومون من إحدى القوى الإقليمية، استطاعوا أن يحكموا قبضتهم على المدنية، علاوة على محاصرتهم لقصر الرئاسة في عدن وبداخله أعضاء الحكومة المعترف بها دوليا، فيما تقهقرت القوات المؤيدة لهذه الحكومة، خارج البلدة، وبذا بدا أنّ شبح التقسيم بات قاب قوسين أو أدنى.

المؤسف في هذا الجانب المستحدث من الأزمة، هو انقسام الأطياف المتحالفة على نفسها، فالانفصاليون تخندقوا ذات يوم مع القوات الحكومية، في مواجهة جماعة أنصار الله التي تحاربهم هي الأخرى بدعم إقليمي آخر، فيما لم يدرك لا هؤلاء ولا هؤلاء أنّ المواطن اليمني غير المستقطب هو الضحية التي تنزف منذ سنوات، فالأمراض الفتاكة تنتشر بصورة "مرعبة" بحسب المنظمات الدولية، وأعراض الهزال والضعف الجسدي ونقص المناعة وغيرها من التدهور الصحي للإنسان حاضرة بقوة في كل المدن اليمنية.

على الجميع في اليمن أن يدرك أنّ فاتورة الحرب ليست مجرد دولارات لشراء البنادق والبارود، بل إنها فاتورة من الدماء والخوف وانعدام الأمن، وانهيار الاقتصاد، وغيرها من الويلات التي عانت منها دول أخرى في أوقات سابقة. غير أنّ العبرة لمن يعتبر، فهناك دول اعتبرت وأخذت العظة من تبعات المعارك المسلحة، ونأت بنفسها عن أي مستنقع مليء بعفن الحرب ورائحة الدم والرصاص.

المؤمل من اليمنيين الآن وليس وقتا آخر، أن يحتشدوا صفا واحدا، تحت هدف واحد ونحو غاية وحيدة، وهي وقف شلال الدماء والحيلولة دون تقسيم الدولة، والحفاظ على كيانها الحالي بجغرافيتها الحالية، بعيدا عن أي تقسيم يضعف من شأن الدويلات المُتمخضة عنها.. فالجميع يحلم بعودة "السعيد" إلى اليمن.

تعليق عبر الفيس بوك