مدرين المكتومية
لم يعد البقاء للأقوى كما كان سائدًا على مرّ الزمن، ففي هذا العصر أصبح البقاء للأكثر إبداعًا، والحياة مليئة بالكثير من التناقضات التي تجعلنا نقف عاجزين فيها عن تقبل الكثير من أحداثها وتجاوز تقلبّاتها، تلك التناقضات في الحقيقة هي ما خلق الاختلاف وصنع منِّا أُناساً بفكر مغاير عن الآخرين، ذلك الذي يميّزنا دائمًا ويشعرنا أننا ننتمي لعوالم أخرى، وكل ذلك يمكنه أن يشعرنا أننا نعيش وسط عالم مزدحم بالهموم والمعاناة، وتلك المعاناة هي التي توصلنا إلى قمة النجاحات في كثير من الأحيان، فكما يقال دائمًا "من رحم المعاناة يولد الإبداع" ذلك الإبداع الذي يحلق بنا عاليا لنصل به إلى أعلى مراتب النجاحات التي نريد.
الإبداع الذي نتحدث عنه، هو الذي يأتي بعد أيام وليالٍ من البناء والتخطيط، فأن تكون مبدعًا ليس أمرًا سهلاً، لأنَّ الاجتهاد يختلف عن الإبداع، فهناك الممتاز في التحصيل التعليمي لكنه لا يمتلك أية مهارة تخلق منه شخصًا مبدعًا، فالشخص المبدع لديه من المهارات ما يجعله شخصية استثنائية، وبامتيازات مختلفة، مما يجعل المؤسسات تتهافت عليه كونه يمكن أن يندمج سريعا في أي عمل يطلب منه أو يُكلف به، وبالتالي تجد هناك أشخاصا يظلون مطلباً دائماً ولا يجدون أي صعوبة في ترك العمل لأجل وظيفة أخرى لأنهم يمتلكون ضمانة قدرتهم على صناعة الفارق، عكس الشخص الذي لا يمتلك إلا شهادة جامعية بمعدل امتياز لكنّه في المقابل غير قادر على الاتصال والتواصل ولا يمتلك أبسط مقومات الإبداع التي تجعله يحارب لأجل حلمه وأمنياته، لأنّه ينظر للوظيفة على أنّها مكان يستمتع فيه لا مكان ليجني من ورائه راتبًا شهريا فقط.
ومع قادم الوقت لن تكون الشهادة مقياسًا وحيدًا للحصول على وظيفة تليق بالشخص، وإنّما على الإنسان أن يطوِّر مهاراته بما يتماشى مع متطلبات الحياة القادمة، فالأيام تمضي سريعة ولكي نستطيع أن نلحق بالركب علينا أن نفكر جيدًا في تطوير مهاراتنا والانخراط في أي عمل من شأنه أن يقدم لنا إضافة.
عندما يبني شاب أو فتاة أحلامًا وآمالا لوظيفة ما ينبغي له أن يعلم أن الأمر لن يكون سهلاً ولن يكون مجال تنافسه فقط مع غيره من الشباب بل إن التنافس في الكثير من الوظائف قد يكون مع الآلة والذكاء الصناعي وليس فقط البشري؛ فكثير من الصناعات استعاضت فعلياً بالروبوت عن البشر وفقد مئات الآلاف من العاملين وظائفهم في السنوات العشر الأخيرة في اليابان، وألمانيا وسنغافورة وغيرها لهذا السبب، وأصبحت المصانع تنتج مئات الأطنان من المنتجات وملايين القطع من الإنتاج بالأجهزة والروبوتات، وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدل على وجود تقدم ملحوظ يتطلب منّا الإسراع وبذل قصارى الجهد، حتى لا نجد أنفسنا في نهاية المطاف نقف عند ذات النقطة التي توقف عندها يومًا آباؤنا.
علينا أن ندرك أن إيقاع الحياة أصبح سريعًا جدًا وأكثر مما نتوقع، مما يفرض علينا أن نطور من قدراتنا ونكيفها بما يتناسب مع التقدم السريع الذي نعيشه، وعلينا أن نفرض أنفسنا على المؤسسات من خلال قدراتنا وكفاءتنا التي تجعلنا نعيش على ضمان أنّ هناك دائمًا فرصا مهما كانت العقبات، ومهما كانت الحياة صعبة، فمن يسعى في حياته لن يتعطل يومًا، بل سيصل في نهاية المطاف حتى وإن كان وصولا بطيئا، فالمهم في النهاية أننا سنصل ولو بعد حين.