لم تلدني أمّي كما تلدُ الأمّهات

د. أحمد جمعة  - مصر


(1)
لم تلدني أمّي كما تلدُ الأمّهات
كانت تحشّ البرسيم
من حقلنا الذي تركه أبي جافًا
تبكي فيه المناجل
والتحق بصفوف الجند
كانت تحش البرسيمَ..
لتطعِم بقرتنا الجاف ضِرعها
حزنًا على الساقية المريضة
وخلفها رضيعها يخور
كانت تحش البرسيم..
قبل أن يشيخ على جسد الحقل
فجأةً طلقت
فجاءت جاراتنا الملطخات وجوههن
بالدهشة والسؤال
سحبنني، ثم قطعن حبلي السري
بمنجل أبي الحزين
لأن يد أبي صارت تعانق البنادق
غسلنني بماء الترعة
ولففنني بالبرسيم
أنا ابن الطين والبرسيم
فإن خذلتك أيامك يا أمّي
فاقذفيني عليها ك قالب طوبٍ لبني
وإن جوّعتك الحرب
فقفي على رأسي ك نحلة
وكُلي منّي ما شئت؛
وجهزي لأبي العسل ريثما يجيء.
(2)
أن تعشق فتاة من دولة أخرى على الحدود،
مثلا أن تقول لها: أحبّكِ من مصر،
فترد: أحبّكَ من فلسطين،
وليس بينك وبينها سوي مسافة بندقية،
أن تعشق فتاة على الحدود،
يصبح الوطن وردة تذبل
والأسلاك الشائكة على الحدود شوكًا،
وأنت نحلة،
تجمع رحيق الهجرة،
لتفضي به إليها في المساء
بينما تلوّحان لبعضيكما من خلف الأسلاك
عسل حبّ معقود،
أن تعشق فتاة على الحدود،
يدك تمسك يدها من خلال الأسلاك
بينما تراقب عينيكما البنادقُ
وجنود حرس الحدود
و وطنان ينزفان،
يفصل بين عناقكما حدٌ حقير
وأوراق تافهة
وحرب شمطاء،
تبكيان كل ليلة عبر الهاتف
بينما تشطبان الحد من على الخريطة
وتصنعان من الخريطة حمامة!

تعليق عبر الفيس بوك