مدرين المكتومية
الحبُّ علاقة لا مثيل لها، غير قابلة للاختصار في كلمات قليلة ننطقُ بها، وبالتأكيد فإنَّ ترجمة الحب تختلف من علاقة لأخرى؛ فالحب ليس بالضرورة بين رجل وامرأة، بل هناك أشكال قد تكون أقوى وأكبر منها، الحب بين أفراد الأسرة، بين الأم وأبنائها، والإخوة وبعضهم.
لكن قد يصل الحب في كثير من الأحيان إلى أذية أنفسنا ومن نحبهم بدافع تلك الكلمة؛ فالأم -على سبيل المثال- قد تحوِّل حياة ابنها إلى جحيم؛ بسبب زيادة حبها له، وشعورها بأن زوجته قامت باختطاف ابنها الحبيب من كنفها، كما أن هناك حالات يصل حب الأخت لأخيها إلى شعور بالغيرة من زوجة أخيها، خاصة إذا ما دلل هذا الأخ زوجته، فيما يُعامل أخته بحدة أو قسوة؛ فالأخت بطبيعتها وكأي امرأة تظل تتساءل عن الذي ينقصها عن غيرها من النساء إذا ما وجدت هؤلاء الأخريات ينلن قسطا أوفر منها في الحظ أو المال أو حتى المعاملة الحسنة من الرجال.
عندما أتحدث عن هذا الحب الزائد على الحد، وعن تلك العلاقات التي تتعارض مع غايات الحب من إسعاد المحبوب؛ فإنَّ الأمر أحيانا ما يزداد سوءا، خاصة مع حاجة الابن لبناء أسرة والعيش مع زوجته بطريقة تسعدهما معا، لكنها قد لا تتوافق تماما مع ما يسعد أهله. وكما نعلم، فالشاب عادة يتزوج في منزل والديه لأسباب عديدة على رأسها السبب "المادي".
ولا تُوجد مشكلة عندما يتزوج ابن في بيت والديه، لكن تبدأ المشكلة إذا ما كان مضطرا لتسوية الأمر بين رضا والدته واهتمامه بزوجته، والذي في كثير من الأحيان يفسر على أنه يخاف من زوجته، أو "دلوع ماماته" بلغتنا العامية، الأمر الذي يجعله يعيش في شتات، وربما يصل به الإمر إما بالانفصال، أو إغضاب أمه، رغبة منه بكسب ود زوجته.. فهل يدفعنا الحب لتدمير أنفسنا ومن نُحب...؟
في حقيقة الأمر، هناك نقطة وحلقة مفقودة بين الكثير من الأسر، خاصة تلك العائلات التي اعتادت أن ترسم لأبنائها خارطة طريق لمستقبلهم، فيعتقدون أن الحياة كما هي لا يتغير فيها شيء، فعندما يبدأ الابن في فرض خيارتها، يبدأ الخوف بالسيطرة على من يحبونه، ويعتقدون أن هناك شخصا ما ورا ذلك التغير، حينها يصبح كل شيء مرفوضا حتى وإن كان حقًّا من حقوق الابن، وتتغير المسائل بالنسبة لأسرته فيعتقدون أن الحفاظ عليه وعلى كيان الأسرة التي ظلوا سنوات يصنعون منها "مثالية" يتطلب منهم الوقوف أمام الكثير من خيارته، ليصل به الأمر لشعوره بالزعزعة والانهيار، وعدم القدرة على مواصلة الطريق أو البدء من جديد، وربما ينتهي به المطاف بإصابته بأمراض نفسية لا يستطيع تجاوزها.
هذا النوع من الحب يُمكن أن يطلق عليه "أناني" فهو يعني حب التملك، وعدم تقبل أطراف آخرين يتحكمون في حياة ذلك الشخص الذي يحبونه؛ فالأم على سبيل المثال من خوفها الدائم على ابنها -خاصة وإن كانت قد قدمت الكثير من أجل أن تصنع منه رجلا حقيقيا- تبدأ بالخوف من هجرانه وخسارته بمجرد دخول امراة إلى حياته، أو زواجه من فتاة يريدها بشدة وإصرار، وتظل ترى الأمر بنظرة عدوانية، وكأن هناك لصًّا سيسرق منها أغلى ما تملك، ويظل يخيل إليها أن تلك المرأة جاءت فقط لتسرق حب ابنها وقلبه، فتبدأ بممارسة أمور تعتقد أنها من مصلحة الحفاظ عليه، لكنها دون أن تشعر تقوم ببناء حاجز بينها وبين ابنها، وليس بالضرورة أن تكون هناك أم تمارس هذه الممارسات بدافع "الحب"؛ فكذلك هناك زوجه تقلب حياة زوجها أيضا رأسا على عقب، وأخت تصور لأخيها أمورا لا واقع لها لتظل فتاته المدلله، وبين كل ذلك يمكننا القول: "لولا الحب الذي نشعر به تجاه الآخر، لما كانت تلك التقلبات جزءا من حياتنا".
madreen@alroya.info