حمد بن سالم العلوي
قد يُماري ممارٍ حول عدم واقعيّة هذه الفكرة، وذلك بالانتقال من الأرض إلى كوكب المريخ، فنقول له هذه بتلك، فالذي أجاز لنفسه أن يُنشئ متحفاً مستعاراً، ويُنشئ فيه خارطة جغرافية خياليّة، فيطمسُ منها كيان دولة من جغرافية الأرض التي أوجدها ربّ الكون حكمة منه وأمرا، فيأتي مخلوق من مخلوقاته فيمحوها بجرة فرشاة، فيحدث ما لا يُعقل بما لا يُعقل، أو يأتي على جغرافية دولة مجاورة، فيقتطع منها محافظة بأكملها كذلك بجرة فرشاة، فليس مستبعداً عليه أن يترك جغرافية الأرض بأكملها، ويذهب عنها إلى كوكب المريخ، وذلك لأجل الاستفراد بمساحات شاسعة هناك، ويُنشئ حكماً لا ينازعه منازع عليه، ولا يضايقه بشر على جغرافية محدودة، كما وهو الحال على كوكب الأرض الذي أصبح مُزدحماً نسبياً على فرط طموحاته التي لا حدود لها، كما أنّها أي الأرض قد لوثها كثرة الناس بأطماعهم، وطموحاتهم في التزاحم على هذه الجغرافيا الضيقة، فلا يسمحون فيها لأصحاب الطموحات الحديثة لأرباب المال وحسب بما تهوى أنفسهم فعله، وهي الأهواء اللا محدودة بالطبع، وذلك في التمدد كما تستهوي أنفسهم وقاماتهم الفارهة، فهم إذا نظروا إلى الخارطة الكونية بطموح، واستهواهم شيء من الجغرافيا، لا يريدون أن يعترض عليهم آخر، لأنّهم يشعرون أنّ الأرض وما عليها رهن طاعتهم، بدليل وفرة المال الذي أتاهم بعلم منهم ودراية مسبقة عليه.
إنّ كوكب المريخ سيتيح لكم أيّها الطامحون مدى أوسعاً لإنشاء إمبراطوريات عظيمة، وسيكون الناس هناك مسبِّحون حامدون للنعم، والأفضال الكثيرة التي تُغدق عليهم من فيض كرمكم المدرار، وستفعلون بأموالكم ما تشتهي أنفسكم هناك، صحيح إنّ المريح يقل قليلاً مساحة عن الأرض كما يذكر جوجل، ولكن كونكم الأولى به دون غيركم من المخلوقات الأقل درجة في الخلق، لن ينازعكم فيه منازع، خاصة وأن ليس من أحد من بني البشر يملك مثل ملككم العظيم، فأنتم من سيستعمر ذلك الكوكب دون سواكم، وفي ذلك الكوكب ستتحقق لكم طموحاتِكم في الخروج من ضيق جغرافيّة الأرض عليكم، وذلك بالانتقال إلى ذلك الأفق الواسع، والذي سينهي عنكم شُح الجغرافيا الأرضية، والمنافسة غير المنطقية لكم من بقية البشر، هذه المنافسة التي يصعب على (بلاك ووتر) السيطرة عليها بنفس السهولة على سطح المريخ، وربما لا تترك لكم المنظمات الدولية الفرصة لتأخذوا ما تشاؤون من مساحات الأرض، بحجة عدم جواز توسعة الحدود الدولية على حساب دول الجوار، وإن الأحلام لا حجيّة لها في أراضي الغير، خاصة الأحلام اللا متناهية، فسيكدرون عليكم راحة بالكم بقراراتهم البغيضة، وسيضيِّقون عليكم ما ترونه أنتم واسعاً.
إنّ الحقائق التي أوجدتموها كخاتم فرعون، وقبر عنترة ومصادر جريان الأنهار، وأصل "الكابتشينو" وربما أصل "الكبتاجون" أيضاً، وقبر أحد ملوك عُمان، وقبر مالك بن فهم الأزدي، والآثار البابلية والفرعونية التي أخذت تبرز على الرمال، واللغات واللهجات العربية الأصيلة، وأصل قبائل العربية، وآخرها المتحف الزجاجي الذي رسم لكم المستقبل على الأرض، كل هذه القرائن التي تؤكد عمق الدول، قد لا تشفع لكم بالتوسّع على الأرض، لذلك أصرُّ عليكم بالنصيحة بقبول مقترحي في التحرك حالاً باتجاه المريخ، أو أي كوكب آخر غير ملوّث بالخرائط الجغرافية المحدودة، لأنّ الذي يملك الثروة من حقه أن يرفه على نفسه بالتوسعة في الجغرافيا الكونية، أما الأرض فلا مستقبل لكم فيها لا تتسع لرفاهيتكم وحكمكم الصاعد، ولا يجوز كذلك أن تتمثلوا بالقياصرة أو الفراعنة، ففي مثل هذا تقليد لا يليق بالحكام الجدد، وحتى مصطلح حكام أصبح اسما مستهلكا وغير مناسب.
إنّ الخارطة التي عُرضت في المتحف تعد خارقة للمألوف، وفي ذلك علمٌ لم يقدر عليه إلاّ الذي لديه علمٌ من الكتاب، وقد حدث ذلك مرة واحدة في التاريخ، إبّان حكم نبي الله سليمان بن داود للأرض، فعندما طلب أن يُحضر إليه عرش بلقيس ملكة سبأ في اليمن وكان هو عليه السلام في الشام، فقد أحضره إليه ذلك الذي كان لديه علمٌ من الكتاب قبل أن يرتد طرفه، والقصة حقيقية ومعجزة قرآنية، تحفِّز على طلب العلم والمعرفة، وربما أصبح هناك شيء من هذا العلم لدى صاحب المتحف، الأمر الذي جعله بجرة فرشاة يطمس جغرافيا دولة ويمحي وجودها، ويقتلع جغرافية محافظة كاملة بجبالها الشامخة من دولة مجاورة، وضمها إلى دولته الغرة اليافعة، وكل ذلك في طرفة عين، ولو لا وجود وسائل حديثة في الاتصال، لكلف الأمر إرسال من يطمئن على صحة ذلك الخبر، ويطمئن قبل ذلك على سلامة الناس من الغرق في مياه الخليج، ترى إلى متى سيظل الحال سائراً في نهج اللا معقول؟! ثم ألا من سائل يسأل القوم؟! أليس فيكم من رجل رشيد؟! فإن كان للمرء طموح كهذا، فلا بد من أن يكون للطموح حد معقول.
لقد جاوز الظالمون المدى، فهناك ظلمات في الظلم، ظلم للنفس، وظلم للجار، وظلم للإقليم المحيط وظلم للكون كله عندما لا يُلتزم بضوابط الجوار، والتعامل الإنساني مع الآخر، فقد يَجرُّ هذا الظالم على نفسه المشاكل وعلى الاقليم بأكمله، وحتماً لن يكون هو سالما من الضرر، فالأحلام وحدها لا تحقق الأهداف الوطنية، والمُحرك الخارجي لن يكون قلبه عليه، عندما يقع الفأس على الرأس، وسيقول كما قال الشيطان للبشر، إنّي دعوتكم فاستجبتم لي ولم يكن لي سلطان عليكم، ثم أين نحن من قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى* إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) - سورة العلق.
تُرى هل يعلم هذا الإنسان أنّه مجرد مخلوق ضعيف، وأنّه محاسب على مثقال الذرة، ولهذه الأسباب عليه ألا يطغى في الأرض، اللهم اهدِ القوم إلى الصراط المستقيم، واهدهم إلى التوبة قبل يوم الحساب.