دور المعلومات في الوقاية من الأزمات والكوارث (4-4)

د. عيسى الصوافي – سلطنة عمان
دكتوراه في إدارة الأزمات

 

من البديهي أن تعاقب الأزمات وتوالي مجهودات التصدي لها يفضيان إلى تكون تصورات تترسخ تدريجياً لدى صانعي القرار بخصوص ما يلزم عمله. فتغدو تدابير المواجهة تقفز إلى الذهن مرتبة أولويات المبادرة ومسهلة التنبؤ بما سيحصل من مفاجآت. هكذا تكتسي المعلومة أهمية كبرى باعتبارها إشارات أو علامات للإنذار المبكر تساعد على كشفها قبل وقوعها فتسهل التعامل معها، عبر مساطر ومتطلبات إجرائية تمكن عند تشغيلها من تجنب الكوارث أو على الأقل الحد من أضرارها.
وتؤكد التجارب في مختلف حقب التطور الإنساني أن عدم الحصول على المعلومات السليمة، شكل دائماً العامل المباشر المؤدي إلى اتخاذ قرارات غير سليمة، ينتج عنها الفشل في إدارة الأزمات.. وعليه، فإن الجهود في الوقت الراهن الذي كرست المعلومات قوتها على كافة مظاهر الحياة وتطوراتها(..)، أخذت تنكب على ترتيب المعلومات واعتمادها بعد التحقق من صحتها ومصداقيتها لغاية وضع خطط تشمل كافة الاحتمالات التي يمكن أن تحدث، وذلك في إطار استراتيجية ناجعة هدفها الوقاية من الأزمات ودرء المخاطر.

هكذا تبرز أهمية ودور المعلومات في التخطيط الاستراتيجي في الوقاية من الأزمات باعتبارها تمثل الخطوة والحقيقة الأولى للتعامل مع الأزمة في مراحلها المبكرة والتي يمكن عن طريقها اكتشاف عوامل التوتر ومصادر الأزمات قبل اشتعالها واتخاذ ما يلزم من إجراءات لدرءها وتفاديها. لذا يمكن تتبع أهمية المعلومات في إدارة الأزمات الأمنية من خلال الخطوات التالية (..):
1)    تفادي عنصر المفاجأة للأزمات والتي تحدث في حالة قصور وغياب المعلومات أو عدم دقة تقييمها وتقديرها أو عدم وصولها في الوقت المناسب إلى متخذ القرار.
2)    التغلب على عنصر ضيق الوقت في حالة نشوب الأزمة، وذلك بتوفير المعلومات التي يمكن استدعاؤها بسرعة في أي وقت والاستفادة منها في عملية صنع القرار الاستراتيجي وإصداره في الوقت المناسب.
3)    ضمان اتخاذ القرار السليم المبني على معلومات صحيحة وتأكيد عدم اتخاذ قرارات عشوائية مبنية على معلومات غير صحيحة، أو زائفة مما يؤدي إلى تعقيد الموقف وتصاعد وتنامي تداعيات الأزمة.
4)    المرونة والمبادرة في اتخاذ القرار والمناورة بالبدائل الأخرى لمواجهة تداعيات الأزمة، حيث يشكل استمرار تدفق المعلومات خلال مراحل إدارة الأزمات عاملاً رئيسياً في سرعة اتخاذ القرار.
5)    دعم المخطط الاستراتيجي وصناع القرار بكافة المعلومات والبيانات اللازمة لتنفيذ مهامهم.
6)    إمكانية استخدام المعلومات لخداع الخصم وإجباره على اتخاذ اجراءات في غير صالحه.
7)    تبجيل الإمكانيات والاحتياجات والقدرات الخاصة بإدارة الأزمة من حيث التحكم في البدائل المتاحة خلال الأزمة، وتجميع المعلومات الخاصة بمراحل الأزمة وتحديد أفضل استثمار للإمكانات المتاحة والحصول على أقصى مردود إيجابي من استخدامها في مواجهة الأزمة.
8)    التنبؤ بالمواقف الأمنية المختلفة، حيث يمكن أن يتوافر ما نطلق عليه التنبؤ بالمخاطر والأزمات المحتملة وفي هذه الحالة فإن التخطيط سوف يكون قائماً على أسس علمية.
ولعل أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية قد كشفت دون أي شك إلى افتقار الأجهزة الأمنية، الأمريكية إلى المعلومات، وبالتالي عدم توقع ما حدث وعدم وضع سيناريو لمواجهة الأزمة الأمنية (..).
وجدير بالذكر أن هناك أهمية قصوى لعملية اتصالات الأزمة لما لها من فائدة في التعامل مع الأزمات، حيث أشار الكثير من الخبراء والباحثين إلى أن هناك عوامل وأسباب كثيرة دلت على أهمية وفائدة دور الاتصال في إدارة الأزمات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الآتي:
1)    إن الدول تتعرض للأزمات بشكل متزايد، وينجم عن بعضها تأثيرات متعددة الأبعاد اقتصادية ــ اجتماعية ــ تشريعية ـ تكنولوجية، تؤدي إلى تعرض المؤسسة المعنية إلى المراجعة من قبل وسائل الإعلام الرأي العام وبالتالي يؤدي إلى زيادة حجم الضرر الواقع عليها وزيادة الوقت والجهد اللازمين لاستعادة التوازن والنشاط، مما يؤكد على أهمية فهم ديناميكية هذه التأثيرات والتعامل معها على مسارين متوازنين أحدهما إداري والآخر اتصالي(..).
2)    ومما يؤكد أهمية إدارة العملية الاتصالية قولاً وفعلاً تلك التأثيرات الناتجة عن التناول المكثف لوسائل الإعلام، وما ينتج أحياناً من عدم إيجابية التعامل مع الطرح الإعلامي اللازمة والقصور في الخطاب الإعلامي وما يقابله للطرف الآخر من أهمية وسائل الإعلام في توعية المجتمع بكيفية الوقاية من الأزمات وطرق مواجهتها، حيث تعمل إدارة العمليات الاتصالية على تقليل الفجوة بين المعلومات المتاحة، وتلك التي يمكن نقلها عن طريق وسائل الإعلام وبما يحافظ على المصلحة العامة.
3)    نظراً ما للأزمات والكوارث والمخاطر الأمنية، وما تفرزه من أضرار إنسانية وبيئية وخسائر مادية ومعنوية، من تكلفة اقتصادية واجتماعية عالية، الأمر الذي يتطلب الاعتماد على نظام اتصالي فعال لإدارة المخاطر والأزمات، مما يوفر قاعدة من المعلومات من أجل إدارة الأزمة بالشكل الصحيح (..).
4)    أكدت كثير من الدراسات والبحوث مدى أهمية اتصالات الأزمات على صورة وسمعة المؤسسة ودورها في تقليل الضرر الواقع عليها، بل ومدى إمكانية استخدامها كفرصة لتحسين وتطوير المؤسسة إذا أحسن استغلالها، وذلك يدل بل ويؤكد على وجود علاقة ارتباطية ايجابية بين العلاقات العامة، وبين إدارة الأزمة وبين الصورة الذهنية لدي جماهير المجتمع (..).
5)    نظرا لأن عمل المنظمات أو المؤسسات على النطاق العالمي يجعلها أكثر تعرضاً للأزمات والمخاطر الناتجة عن عوامل اجتماعية وثقافية الأمر الذي يتطلب تفعيل نظام اتصالي قادر على استشعار الأزمات في توقيت ملائم ومناسب يمكن المؤسسة من التعامل معها بفاعلية عالية.
ويمكن القول أن المعلومات اليوم تؤثر في عملية تقدير تطورات الأزمة واحتمالاتها، وأيضاً في تقدير أرجح وأخطر الاحتمالات، ففي حالة ندرة أو غموض المعلومات يلجأ متخذ القرار إلى العمل باتجاه أخر الاحتمالات، وبالتالي فهو قرار ينطوي على درجة من الخطورة والمغامرة. أما في حالة توفر المعلومات وكون دقيقة وواضحة فهو يعمل في اتجاه أرجح الاحتمالات المتسمة بالدقة والوضوح فإنها تعمل في اتجاه وترجيح أفضل الاحتمالات. ومن ناحية أخرى فإن المعلومات تتناسب عكسياً مع احتمالات المخاطرة فكلما توافرت المعلومات كلما قلت المخاطرة والعكس.
إن توفر ودقة المعلومات يمكن الاعتماد عليها في إعداد خطط وبرامج أمنية لسنوات مقبلة مع امتلاك الأجهزة المناسبة لاستخدام تكنولوجيا نظم المعلومات في مجال التنبؤ والتخطيط الأمني.
وإن معالجة المعلومات بطريقة جيدة وعرضها في الوقت المناسب يمكن صانع القرار من اتخاذ قرارات سليمة، وبما يتناسب مع إدارة الأزمة بالشكل الصحيح.
كما إن المعلومات والبيانات وأجهزتها وعناصرها تلعب دورا رئيساً في إدارة الأزمة والدروس المستفادة من الأزمات المختلفة على مر التاريخ تشير إلى أن النجاح في مواجهة الأزمات والوقاية منها يعود بالدرجة الأولى إلى حجم الدور الذي تلعبه أجهزة الاستخبارات، والمعلومات، والبيانات المتوافرة لدى متخذ القرار. هذا ما أكده انتصار العرب على إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، حيث كان السبب الرئيس في النصر هو النجاح الكبير في القدرة على خداع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية عن نوايا الهجوم على القوات الإسرائيلية.
وتزداد أهمية المعلومات والاتصالات ودورها في التخطيط الاستراتيجي للوقاية من الأزمات في العصر الحديث نتيجة للتطور السريع والمتلاحق في وسائل الاتصال والتقنيات الحديثة وأيضاً نتيجة لتطور طبيعة الأزمات بمختلف أنواعها وخاصة في مجال الإرهاب بأساليبه الغامضة وتطوراته الحادة واستخدام التقنية الحديثة في الجريمة المنظمة والجرائم الألكترونية وكذلك ظهور أساليب الحرب النفسية وحرب المعلومات.
ويمكن القول أن المعلومات هي الدعامة الرئيسة لصنع القرار الرشيد خلال الأزمة الأمنية ومن يملك المعلومة المتوافرة التي لها السمات المطلوبة يمكن اتخاذ القرار السليم، فمن يملك المعلومة يملك القوة.
وتزداد أهمية وجود نظام فعال للاتصالات أثناء الأزمات يساعد إلى حد كبير على مواجهة الأزمات فتأخر وصول مضمون الرسالة أو وصولها غير واضحة قد يؤدي إلى حدوث خلل في نظام الاتصال أثناء الأزمة مما يؤدي إلى تقويض الجهود المبذولة في السيطرة على الأزمة وقد يؤدي أيضا إلى تفاقمها.
ومن هنا ضرورة الاستفادة من تكنولوجيا الاتصال خصوصاً فى مجال الأقمار الصناعية والبرامج الفنية والأجهزة الالكترونية لتسهيل عملية الحصول على المعلومات، وبالتالي يكون التخطيط الأمني قائماً على أساس موضوعي.
ويجب الاستفادة من النظم الخبيرة التي تعتبر البرامج الذكية، والتي تساعد في حل المشاكل وتعتبر أحد أساليب التكنولوجيا الحديثة لبناء قواعد من المعلومات والبيانات في مجال البرامج الإلكترونية التي تساعد في حد كبير في فاعلية إدارة الأزمة، وتؤدي إلى تحسين الإنتاجية والأداء البشري وصيانة وحفظ البيانات، وتطوير ودعم أساليب الفهم(..).

تعليق عبر الفيس بوك