ما لا ترضاه لنفسك لا ترضاه لغيرك

 

فيصل بن زاهر الكندي

faisalak17@gmail.com

 

من أروع قوانين التعاملات الإنسانية أصالة والذي لو طبقناه لعشنا في أمان وسعادة قانون "ما لا ترضاه لنفسك لا ترضاه لغيرك" فهو يُؤسس أرضية راسخة ننطلق منها إلى الحياة دون التعدي على حقوق الآخرين فحرية كل واحد منِّا تنتهي حيث تبدأ حقوق الآخرين وهذه القاعدة أكد عليها الإسلام ففي الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" سأحاول تسليط الضوء على أشهر أمراض المجتمع حاجة إلى هذا القانون لاستئصالها من جذورها.

 

أصبح سوء الظن والنميمة واستصغار الآخرين وظلمهم والتكبر عليهم تصرفات عادية عند البعض لأسباب كثيرة، أدت نتائجها إلى التقاطع بين الأرحام والجيران وعدم الثقة بينهم فلو تأنى الإنسان قبل أن يتفوه بكلمة أو يشك في أمر ما أو يسيء الظن بأحد أو يستضعف أحدًا وأن يسأل نفسه هل يرضى لنفسه هذا الموقف فإن كان يرضى فعلى بركة الله وإن كان لا يرضى فليتوقف فوراً عن ذلك السلوك تجاه الآخرين لأنَّه يُؤذيهم من حيث لا يدري وعواقبه وخيمة قد تأتي على المُجتمع بأسره.

 

تعتبر الغيبة من أشهر الأمراض المُنتشرة في المُجتمعات حيث تنتشر كانتشار النار في الهشيم فتجد المغتاب يقع في أعراض الناس فيتحدث عنهم وعن طريقة حديثهم وكيفية مشيهم وألوانهم وأطوالهم وقصرهم وطبائعهم وفلان قال كذا وفلان يقول كذا وفلان سيفعل كذا فعلى هذا المغتاب أن يسأل نفسه هل يرضى لنفسه أن يغتابه أحد؟! ثم ليبدأ في إصلاح نفسه بدلاً أن يشغلها بالبحث عن عيوب الناس فإذا كان بيتك من زجاج فلا ترم النّاس بالحجارة.

قد يجد الإنسان في نفسه أنه أفضل صحة وأكثر مالا ويملك أفخر البيوت وأجمل الزوجات وأكثر الأولاد ويعمل في أكبر المؤسسات ويستلم أعلى الرواتب لذا فهو الأفضل في المجتمع وعلى الجميع احترامه وتقدير مكانته بل وأن يتذللوا له فهم ليسوا في مستواه ومكانته فيُصاب بالكبر والغرور ويحتقر الآخرين ونسي هذا المسكين أن الذي رزقه كل هذه النعم هو نفسه الذي حرم غيره بل وقادر على أن يسلبها منه ويصبح فقيرا ويرزق غيره فيصبحوا أغنياء فكما أنه لا يرضى لنفسه المذلة والمهانة كذلك الآخرون لا يرضونها لأنفسهم.

من المشاهد المؤسفة التي تعودنا عليها ونراها يوميًا الأخطاء المرورية فنجد من يوقف سيارته بطريقة غير صحيحة وآخر يزعج المدينة بسيارته المزعجة أو يتهور في قيادته فيقتل أسرة كاملة أو يفقد أحد الزوجين الآخر أو يفقد أولاده ونجد آخرين يصدمون سيارات دون قصد ثم يولون هاربين دون الاعتذار لأصحابها ونجد من يمر كالصاروخ وكأنه منطلق إلى الفضاء وما هي إلا لحظات حتى تجده متوقفاً أمام مطعم أو بيت فهؤلاء جميعاً يجب أن يراجعوا أنفسهم ويضعوا أنفسهم مكان هؤلاء الضحايا هل يرضون أن يُفعل بهم ما فَعَلوا بهم.

الكثير من الناس لا يُعيرون من أمامهم أي اهتمام وكأنهم جدر أو أعمدة كهرباء ليس فيهم حياة فنجد مواطنا يراجع مؤسسة فيستقبله الموظف استقبالاً غير لائق ولا يبتسم له ولا يبدي استعداده لخدمته بل ويطلب منه أن يراجعه غدا أو الأسبوع القادم والبعض يتهرب من العمل بحُجة قضاء حاجاته الخاصة ويتحايل للحصول على إجازة طبية وبالتالي تتأخر معاملات المراجعين فلو وقع له نفس الموقف لاستشاط غضبًا.

من المواقف التي يحار فيها اللبيب أن يقوم بعض الأشخاص بزيارة أخ له فبدلاً أن يهتم المزور بالزائر تجده لا يبدي اهتماما به بل ويعبث بهاتفه ويسكت عنه ولا يُحدثه لفترة مما يجعله يشعر بكآبة وبأن زيارته ليست موفقة وبأنه جاء ليأكل ويشرب ولو حصل له هذا الموقف لذهب إلى أصحابه وحدثهم بسوء معاملته له فإن كان هو بنفسه لا يرضى بهذه المعاملة فكيف يرضاها لغيره.

ثق تماماً أنك إذا طبقت هذه القاعدة الذهبية سوف تأسر قلوب الناس وستكون محبوبًا بينهم لأنهم لن يجدوا منك إلا خيرا وتوقع ألا تجد منهم إلا خيرا لأنهم لا يرون منك إلا معاملة طيبة وأخلاقا فاضلة وسلوكا حسنا فابدأ بنفسك وغير سلوكك إلى الأفضل وعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به على الأقل إن لم تنفعهم لا تؤذيهم إذ ليس المطلوب منك إسعاد جميع الناس ولكن المطلوب منك ألا تؤذي أحدًا.