هل تسود هذه الروح في السياسة؟

عبد الله العليان

في الدورة الثالثة والعشرين لدورة كأس الخليج لكرة القدم، لفتت الكثيرين الروح الطيبة التي سرت بين المنتخبات المشاركة، وقرّبت الكثير من الرؤى التي ربما لم يتوقعها أحد خلال المشاركات، بعد الأزمة التي حدثت بين بعض دول مجلس التعاون ودولة قطر العام المنصرم، والذي أكد على هذه الروح الرائعة؛ المباراة النهائية بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة من حيث الإجماع الخليجي على نهاية الدورة بهذه الروح الرائعة.

وهذا بلا شك يفتح الباب من جديد من أمير السلام والوئام، الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، لإعادة اللحمة الخليجية/ الخليجية، التي لا تزال الآمال معقودة على استعادتها مرة أخرى بنفس هذه الروح التي حدثت، ولا شك أنّ الاختلاف بين البشر، سُنّة كونيّة إلهيّة، وذكرها  القرآن الكريم (ولذلك خلقهم)، لكن هذا الاختلاف له حدود، تتوقف عنده سنة هذا الاختلاف، الذي بطبيعته مؤقت، سرعان ما يتبدد من خلال التفاهم والتقارب، لا سما بين الإخوة، وصلات القربى الكبيرة التي تجمعهم، حتى ولو وصل هذا الاختلاف إلى الخصام بالتقاتل بينهما، والروح الرياضية لها وقع نفسي تجبر المتنافسين على قبول ما يدور فيها من تعارك على الكرة، تصل أحيانا حتى للكسور والجروح، لكن سرعان ما يتم نسيانها تماما في لحظات ويتصافحون ويتصافون تماما، وكأن الأمر لم يكن. والسياسة بتعقيداتها الكثيرة، وخطوط  منحنياتها، وتدخل الإعلام تزيد في الاحتقان أكثر مما ينبغي ربما يزيد عمّا جرى في هذا الخلاف، لكن مع ذلك يجب أن يتحدد هذا الخلاف أو الاختلاف في حدوده الطبيعية، خصوصاً بين الأشقاء وذوي القربى، ونتذكر أنّ في القرن الماضي، وقعت حربان عالميتان بين دول أوروبا، قتل خلالها عشرات الملايين في الحرب التي كانت فقط على المغانم والمصالح وليس على المبادئ، لكن سرعان ما دخل هؤلاء جميعاً في اتحاد بينهما، ونسوا كل ما جرى في هذه الحروب، على الرغم من الاختلافات التي لا تزال قائمة في السياسة والاقتصاد  والثقافة وغيرها، ومع ذلك بقوا في الاتحاد وفي العلاقة الوطيدة القائمة دون أن تعكر بينهما تلك الجراح الغائرة في هذه الحروب.

ومجلس التعاون هي المؤسسة العربية الوحيدة التي بقيت، ما يقرب من أربعين عاما دون خلافات تذكر، بعكس اتحادات عربية أخرى لم يكتب لها الاستمرار سوى سنوات قليلة، وهذا بلا شك يدل على عمق الروابط وصدق النوايا، مع قبول بعض الاختلافات التي تعتبر من مدخلات السياسة الخاصة لكل دولة، دون أن تلحق هذه السياسة ضرراً بالنظام الأساسي لمجلس التعاون، وهذا معروف ومعمول  به  في كل المنظمات والاتحادات في العالم؛ لأنّ بهذه الخيارات الممنوحة لكل دولة تجعل مبدأ القبول مساحة للتفاهم المشترك بين الدول، فالمهم أن يسود الحوار والفهم المتبادل عند وجود اختلافات بينية في وجهات النظر،  وبالحوار تتقلص الكثير من مساحات الاختلاف، ولا شك أنّ الدور الكويتي في استعادة اللحمة الخليجية قائم وسيستمر،  وهذه الجهود محل تقدير الجميع، وهذا ما يجعل قضية كسر الخلاف في المنظور القريب، من التوجهات الجديدة لدولة الكويت، ومن دول أخرى، مهتمة بإزالة هذا الخلاف، التي بلا شك ستلعب دوراً في المصالحة التي لا بد منها في نهاية الأمر.

ومن المؤشرات الطيبة أنّ لعبة الرياضة (كأس دورة الخليج)، ربما هي التي مهّدت أو على الأصح ساهمت في قيام دول مجلس التعاون، فقد تأسست كأس دورة الخليج في بداية السبعينيات من القرن الماضي، واستمرت هذه الدورات الرياضية، وبعدها بعام قام مجلس التعاون بين الدول الست، صحيح أنّ المجلس قام لأسباب سياسية خالصة، ومنها مواجهة الأخطار الدولية، وصراعات الدول  الكبرى في فترة ما سمّي بالحرب الباردة، خصوصا بعد تدخل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، ثم قيام الحرب العراقية/الإيرانية، لكن الرياضة أدت دوراً داعماً لتعزيز التعاون وقيامه عملياً في مجالات أخرى، وهو ما أسهم في قيام هذا الكيان الخليجي في مؤسسة لها نظمها وقوانينها، فالخلاف بين بعض الدول لابد له من أن ينتهي بالوفاق والاتفاق، وأن تتقارب الآراء فيما بينهم؛ لأنّ هذا الخلاف ربما يجعل الأمر خطيراً للمنطقة كلها، وقد سمعنا أنّ هناك أحاديث وتحليلات لا تريد لهذه الدول أن تستقر أو أريد لها أن تختفي، وهذا يحتاج إلى التلاحم والتقارب، وليس إلى زيادة رقعة الخصام، وما كان ينبغي أن يحصل ما حصل بين هذه الدول، خصوصاً  قطع العلاقات، ومنع التواصل وغيرها من القرارات التي أسهمت في توسعة رقعة الخلاف والتنافر.

نعم.. ما ساد في دورة الخليج الثالثة والعشرين من روح رياضية بين اللاعبين، جعل الكثيرين يشعرون بالسعادة والفرحة، وتوقعوا أنّ الأجواء قد تكون مناسبة للتحرك لحل الخلاف، نعم كرة القدم الرياضية سبقت تحركات السياسة منذ ما يقرب من عقد على قيام المجلس، وللرياضة روحها ومزاياها، وللسياسة رجال يديرون حركتها وحكمتها في الوقت المناسب، وللرياضة طعمها ووقعها في النفوس بجمهورها الغفير، وللسياسة نظرتها وبعدها الذي يحسم الكثير من المشكلات عند الضرورة..

فهل يتحقق حلم شعوب دول المجلس قريباً وينتهي الخلاف بين الأشقاء بنفس الروح الرياضية، كما سادت في دولة الكويت؟

 الأمل لا يزال قائما ومعقوداً على هذه الروح التواقة.