فوز المنتخب.. دلالات وعبر

 

علي بن مسعود المعشني

أتذكر جيدًا حين كُنّا صغارًا مُتسمرين خلف المذياع هامسين لصوت المعلق الكروي الكويتي الشهير خالد الحربان لنتابع تفاصيل مباريات دورة كأس الخليج الثالثة لكرة القدم بدولة الكويت الشقيقية، والتي شارك فيها منتخب السلطنة ولأوّل مرة حيث أضافت مشاركته زخمًا أخويًا رائعًا، وزاد عدد الفرق المشاركة إلى ستة فرق؛ الأمر الذي سمح بتشكيل مجموعتين حينها ولأول مرة، وانتهت الدورة بتتويج منتخب الكويت الذهبي بكأس الدورة للمرة الثالثة على التوالي.

أتذكّر جيّدًا اليوم صور تلك الدورة وصور لاعبي منتخبنا بأجسادهم السمراء النحيلة ومشاركتهم الخجولة في المباريات من أمثال مسلم العلوي وطرماح عبدالحسين وعبدالنبي عبد الرسول والذين لاشك عندي بشعورهم بالتقزّم أمام نجوم المنتخبات المشاركة من أمثال الكويتيين جاسم يعقوب وفتحي كميل وحمد أبوحمد وفاروق أبراهيم وإبراهيم دريهم ومرزوق سعيد وعبدالله العصفور وأحمد الطرابلسي، ومن السعودية ناصر جوهر ومحمد المغنم (الصاروخ) وخالد التركي ومن البحرين فؤاد أبوشقر وخليل شويعر.

نقطة التحول في دورات كأس الخليج كانت الدورة الرابعة في الدوحة حيث شهدت مشاركة منتخب العراق ولأول مرة كمنافس قوي لمنتخب الكويت المتفرد كما شهدت استضافة قطرية مميزة، تلك الاستضافة التي بنت عليها دولة قطر الشقيقة إرثًا مميزًا وتجاربًا متفرّدة في استضافة الفعاليات الرياضية باقتدار وصولًا إلى كأس العالم المرتقب بالدوحة عام 2022م، مرورًا بمنتخب الخليج ومنتخب العرب وكأس العالم للشباب ودورة آسيا وتفاصيل بطولات إقليميّة ودولية لا تُحصى.

ما ميّز بطولة كأس الخليج الرابعة بقطر على الصعيد الشخصي هو حضوري جميع المباريات من الافتتاح بين قطر والسعودية إلى الختام بين الكويت والعراق.

ففي تلك البطولة رأيت بأم العين بزوغ نجوم كفيصل الدخيل وعبدالعزيز العنبري من الكويت، ومنصور مفتاح من قطر، وعلي كاظم وفلاح حسن من العراق، كما لازالت في ذاكرتي مرارة هزيمة منتخبنا من منتخب الكويت بثمانية أهداف مقابل لا شيء سجل منها النجم جاسم يعقوب أربعة، وعزز منها رصيده في الحصول على لقب هداف الدورة بتسعة أهداف، كما لا تزال مرارة تعليق بعض الصحف على ختام الدورة عالقة في ذهني حيث دونت بالبنط العريض: ختام دورة كأس الخليج الرابعة بالدوحة بثمانية أهداف في مرمى المنتخب العُماني. كطفل ثم كشاب لم أكن أتخيل في يوم ما أن يتخلى منتخب السلطنة لكرة القدم عن لقب "استراحة الفرق" ولا أن يتخلى المسؤولون العُمانيون عن عبارة "المهم المشاركة" في تبريرهم لحجز المركز الأخير في جميع البطولات، ناهيك عن الحلم بالفوز بكأس الخليج.

اليوم أصبح المنتخب العُماني لكرة القدم الرقم الصعب في البطولات الخليجية والإقليمية والقارية، والفضل بعد التوفيق من الله وتوجيهات جلالة السلطان المعظم وحرصه الدائم هو لجهود الشباب العماني نفسه وبالتحديد الجيل الذي فاز ببطولة كأس الخليج الـ19 على أرض السلطنة، هذا الجيل الذي انعتق من ثقافة الهزيمة والتقزم وقاطع ماضي الهزائم، وتسلح بُعمان المجد وتشبه بها. فبفضل هذا الجيل تحققت لنا القدوة المحلية والوطنية والتي يمكننا أن نبني عليها قطاع الشباب والرياضة في السلطنة بكل ثبات وارتياح. فما لم تتوفر القدوة الوطنية في المجتمع وفي أي قطاع فيستحيل بناء جيل منتج ومبدع وخلاق حيث سيسود الانبهار والتقليد والتقزم أمام الآخرين إلى ما شاء الله.

أتذكر جيدًا ما قاله الخبير الكروي الألماني هيدرجوت في مطار السيب عام 1994م في طريق عودته إلى بلده بعد أن أنهى عقده مع الاتحاد العُماني لكرة القدم حيث قال: المنتخب العُماني لا يحتاج إلى مدرب لكرة القدم بل إلى طبيب نفسي!! اليوم أجيالنا الناشئة ترتدي قمصان نجومنا في كرة القدم وتحمل أسماءهم على ظهورها وصدورها بكل فخر كنجوم العالم، ولاعبونا اليوم نجوم تتخاطفهم الأندية الخليجية والعالمية وكل ما نحتاجه اليوم هو المزيد من العناية والدعم لقطاع الشباب والرياضة، وتجنب المظاهر الاحتفالية والدعومات الموسمية والتي لا تؤسس لشيء ولا ترسخ تجربة ولا تعمق ثقافة. عام 1984 في دورة لوس أنجلوس الأولمبية لمع نجم العدائين المغاربة وحصد الذهب كل من العداء الأسطورة سعيد عويطة والنجمة نوال المتوكل، وحين كرّمهم واحتفى بهم الملك الراحل الحسن الثاني حينها انطلقت المدرسة المغربية لألعاب القوى نحو العالمية بكل ثبات، وأنبتت الأسطورة هشام الكروج وإبراهيم أبو الطيب ونزهة بدوان وغيرهم الكثير، فقد أصبح حلم كل شاب رياضي في المغرب أن يكون أحد تلك الرموز الوطنية العالمية، وأن يتخلّد ذكره في الذاكرة الوطنية المغربية وإلى الأبد. علينا أن نفهم بأنّ لدينا قطاعا واسعا من الشباب وهم طاقة متفجرة وحيوية ومتجددة بحاجة إلى صقل وتوجيه واستغلال حسن وترفيه وتنمية عقلية وفكرية وجسدية، وعلينا أن نفهم أنّ الرياضة اليوم لا تدخل في تصنيف الترفيه واللهو وكما يفهم الكثير منّا بل علوم متخصصة تدخل في سياق التعبير والدلالة على حيوية الشعب وخلقه وإبداعه ورسالته تجاه العالم والإنسانية.

شبابنا العماني القنوع بحاجة إلى الكثير من الدعم والتشجيع في مختلف القطاعات الرياضية والفكرية والثقافية كي يفجر طاقاته الخلاقة وينمي مهاراته بطرق إيجابية وعلمية سليمة، ولعلنا هنا نذكر بالممكنات المهدورة كعاداتنا ونتجنب الطموح الذي لا سقف له لتحفيز المسؤولين على طرق المتاح وتوظيف المفردات القائمة واستغلالها الاستغلال الأمثل لتحقيق أفضل النتائج ودون الحاجة إلى المزيد من الإنفاق، فلدينا منشآت حكومية كثيرة قائمة لا يتم استغلالها لخدمة المجتمع وخاصة قطاع الشباب وعلى رأسها المدارس والتي تتمتع بمواقع ومساحات مميزة الأمر الذي يمكننا من توظيفها لخدمة المجتمع في المناشط الرياضية والاجتماعية خارج ساعات الدوام الرسمي وتحت مسؤولية وإشراف وتنسيق مكاتب الولاة والتربية وبجهود تطوير وتجهيز للملاعب والتشجير بالتنسيق ما بين وزارة الشباب والرياضة والبلديات.. فبالتنسيق الجاد والمسؤول بين هذه الجهات يمكن أن تثمر خطواتنا عن مخرجات هادفة وعملية في المجتمعات المحلية لجميع ولايات السلطنة دون عناء أو إنفاق يذكر. حيث يمكن للبلديات توظيف قدراتها الذاتية من معدات ومواد وعمالة لتجهيز المدارس بالملاعب المتعددة عبر تسوية أرضيات المدارس وكذلك التشجير بالأشجار المثمرة وأشجار الظل عبر مشاتلها أو مشاتل عدد من الجهات الحكومية إضافة إلى مسارح مدرجات للأنشطة المسرحية والفنية الأخرى، كما يمكن لوزارة الشباب والشؤون الرياضية القيام بالدور الإشرافي والفني لإنجاز تلك الأعمال، وكذلك تأهيل عدد من الشباب الراغبين في الالتحاق بدورات رياضية وفنية ومسرحية متخصصة ليقوموا بتنشيط تلك الفعاليات في ولاياتهم لاحقًا. وبهذا نكون حققنا الحسنيين وظفرنا بهم وهما خدمة قطاع التعليم عبر تحسين البيئة المدرسية وخدمة المجتمع عبر توفير المناخ المناسب لأنشطتهم وفعالياتهم الرسمية منها والأهلية. كما يمكن أن يمتد هذا النشاط والتنسيق ليشمل المساحات الفضاء في المتنزهات والحدائق العامة والمتنفّسات وبين الأحياء السكنية في المدن فنحن بحاجة ماسة إلى قدوات وطنية حقيقية في مجالات الرياضة والثقافة والفكر والفنون والقيادة والمسؤولية وصنوف المعرفة تنهض بالبلد وتحمي أجيالنا من التقليد والانبهار وتحافظ على المكتسبات وتصون الثوابت.

قبل اللقاء: "وما نيل المطالب بالتمني// ولكن تؤخذ الدنيا غلابا"..

وبالشكر تدوم النعم.

Ali95312606@gmail.com

الأكثر قراءة