أول سيرة نبويَّة (شِعريّة) في القرن 21

(... وسراجًا منيرًا) بحث شعري (14)

بين بـدر وأحـد



د. عمر هزاع - سوريا


في هذه الحلقة نؤرخ شعريا لمرحلة ذات نشاط عسكري واسع (غزوات وسرايا تأديبية واستباقية لبعض المكائد والتحزبات والتحالفات التي كانت تقوم ضد الدولة الإسلامية الناشئة), علاوة على التعاملات مع اليهود وكبح جماح مردتها.
مَكائِـــدٌ ؛ أَجَّ تَحــــراقًـــا تَداعـــــيـها
                                    مِنَ اليَهُــودِ ؛ وَأَهــلِ الشِّركِ  شـــاعيها
عَواقِبُ النَّصرِ في "بَدرٍ" لها حُـــرَقٌ
                                   عَلى الكُبُــــودِ , وَجَمــــرُ الحِقـدِ مُذكيـها
فَفي " المَدينَةِ " رَهــطٌ مِن بَطانَتِــها
                                    لِــ " ابنِ السَّلُـــولِ " سُلُــوكٌ في تّدّنِّيها
عُواؤُهـــا لِمِـــزاجِ اللَّــيلِ مُعتَكِـــــرٌ
                                   وَلِلنَّهـــــار اعتِــــكارٌ مِن تَعـــــاويــــها
فَجَــرَّ هَذا الصِّــراعُ المُسلِمــينَ إِلى
                                   مَواقِـــفٍ فَرَضَــتــــها فــــي تَعَـــدِّيها *129
" بَنُو سُلَيمَ " إِذا ما الكّرُّ أَرعَــدَهُم
                                   تَجَنَّحُـــــوا الفَـــــرَّ رُعبًا مِن دَراعيها
أَمَّا " بَنُـــو قَينُقاعَ " المَكـــرُ قَنَّعَهُم
                                   فَخَبَّـــأَ الذِّئــــبَ وَجــــهٌ مِن أَرانـــيها
حَتَّى إِذا اصطَنَعُوا الفَوضى الغَوِيَّةَ لَم
                                   يُفَـــــوِّتُوا فَــــرصَــــةً تَجلُـو تَنَضِّيها
فَمِن مُخالَفَـةِ المِـــــــيثاقِ – عـــامِدَةً -
                                  إِلى افتِعــــــالِ خُصُــــوماتٍ تُتاليــــها
فَأَشعَلُوها  مِرارًا  بَينَ "خَزرَجِها "
                                وَ" أَوسِــــها "  فِتنَــــةً  كـــادَتْ لِتُفنيها
لَولا الرَّسُولُ لَثــارَتْ كُلُّ ثائِـــرَةٍ
                                 مِنها ! وَخَضَّـــبَها بِالعــــارِ قانيــــها ! *130
وَإِذ تَصَـدَّرَ عَنــــها قَشَّةٌ قَصـَمَتْ
                                 ظَهــرَ التَّصَبُّرِ – قَصدًا – في تَحَدِّيها
بــ " ِسَوأَةٍ " كَشَفَتها سُخرِياتُ يَـدٍ
                                      فَجَـــرَّها قَــــوَدُ الأَسيــــافِ , يُدفيها *131
لِكَي يُدانَ بِها ذُو المَكرِ إِن طَحَرَتْ
                                  لهــــا الأَفــــاعي بِسُمٍّ مِــن تَرَحِّـيها
تَبادَلُوا ضَحِــــكاتٍ  في ضَحِيَّتِـهِم
                                     تَحَـــوَّلَتْ عَبَــــراتٍ  في تَمَسِّيها
لِخَمسَ عَشرَةَ -مِن شَوَّالَ- حاصَـرَهُم
                                    سِلاحُهُ الرُّعبُ يَسري في تَذَرِّيها *132
أّذَلَّهُــم ؛ فَأَناخُـــــوا ؛ ثُمَّ أَخرَجَـــهُم
                                     مِــن بَعــدِ ما وَقَدُوا نارًا ,  يُكَبِّيها
مَعاقِلُ الشَّــرِّ ؛ مِفتــــاحُ الخَطيئَةِ في
                                    يَدِ "اليَهُودِ" ؛ خَبيثُ القَدحِ هاجيها
لِذا أَرادَ رَسُــولُ اللّــــَهِ شاعِــــرَهُم
                                   - لَمَّا هَجـاهُ – صَريعًا في مَهاجيها *133
أَرَدتَ يا "كَعبُ" قِدرَ المَوتِ!رِدهُ فَقَد
                                    آنَ الأَوانُ لِتَـــردَى عَن قَـداريــها !!
فَقَد تَزَعَّمــــتَ ؛ تَنـــوي أَن تُلَقِّنَهـــُم
                                    وَقَد تَمَزَّعتَ ؛ تَعوي : (لَقَّنُونيها) !!
 كَأسَ المَنِيَّــــةِ  أُسقِـــيتُم ثُمــــــالَتَها
                                    لَمَّا استَقَـــيتُم  , فَأَرواكُـم تَسَقِّيـها !!
بِقَتــــــلِ " كَعــــبِ اليَـــــهُــــــــودِ "
الرُّعــــبُ رانَ عَلى المُستَســــلِمينَ
                                                       فَلاذُوا في مَخابيها
أَخزاهُـــــمُ اللَّهُ في ما كــــادَ كائِدُها
                                      فَساءَهُم – مِـن مَساوِيــهِا – مآسيها
يُحارِبُونَ سَنا المِشكاةِ ! ما عَـرَفُوا
                                  أَنَّ الرَّشادَ – رِقابَ الغَيِّ - واطيها

ــــــــــــ
الهامش:
تجنح : مال على أحد الجانبين \ دراعي : نصال تخترق الدروع ( جمع درعيَّة ) \ أراني : أرانب \ تنضِّي : ( تنضى : خلع ثوبة و انكشف )
سوأة : عورة الإنسان ( أعضاؤه التناسلية ) \ قود : قصاص \ يُدفي : يتم القتل \ طحر : أخرج النفس مع أنين و ضيق ( طحرت الأفعى : نفثت السم ) \ ترحِّي : ( ترحت الحية : تلوت ) \ ضحية : ضحى \ تمسِّي : وقت المساء \ تذرِّي : استتار و اختباء خلف ذروة \ يكبي : يلقي الرماد على النار \ قدر : إناء للطبخ و الغلي \ قداري ( جمع قدار ) : حجر ينصب على مصب الماء ليستقى عليه \ تمزع : تفرق و تقطع \ كاس ( كأس ) \ ثمالة : بقية الشراب في قعر الإناء ( و كذلك رغوته ) \ ران : اشتد ( همه أو حره أو حزنه ) و مال و غلب و خبث و صدأ يعلو الشيء \ مخابي ( مخابئ ) : جمع مخبأ \ مساوي ( مساوئ ) \ الغي : الضلال \ سنا ( سناء ) : ضياء و بهاء \ المشكاة : كوة غير نافذة يعلق بها المصباح و السراج ( وكذلك السراج والمصباح نفسه قد يسمى مشكاة ) \ رقاب : جمع رقبة وهي مؤخر العنق \ واطي ( واطئ ) .

المراجع:
*129 : بعد بدر الكبرى فرض الواقع على المسلمين الصراع مع القوى المناهضة من يهود المدينة و بطانتها الموالية لأهل الشرك في مكة و المتمثلة في جماعة ابن سلول و قد تجلى هذا الصراع في غزوات و سرايا و أحداث دامية أخرى نوجزها كما يلي :
( غزوة بني سليم – إعلان بني قينقاع العداوة و نقضهم العهد – غزوة بني قينقاع – غزوة السويق – غزوة ذي أمر – قتل كعب بن الأشرف – غزوة بحران – سرية زيد بن حارثة )
المصادر مختصر سيرة الرسول للنجدي ص 236 \\ فقه السيرة ص 190 \\ رحمة للعالمين 2(219) \\ زاد المعاد 2(90-91) و 2(70) \\ ابن هشام 2(46 و حتى 57) و 1(633 و حتى 661) و 1(555-556)
*130 : عمد اليهود إلى إشعال الفتنة القبلية في المدينة و كادت لتتطور إلى حرب شعواء لولا أن تداركها رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فقال : ( يا معشر المسلمين , الله الله , أبدعوى الجاهلية و أنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام و أكرمكم به و قطع عنكم أمر الجاهلية و استنقذكم به من الكفر و ألف بين قلوبكم ؟ ) فندم القوم و تعانقوا و انصرفوا طائعين
المصدر : ابن هشام 1(555-556)
*131 : روى ابن هشام عن أبي عون ( ما مختصره ) : أن صائغًا من يهود قينقاع عمد إلى طرف ثوب امرأة من العرب - كانت جالسة - فعقده إلى ظهرها فانكشفت سوأتها لما قامت فضحكوا فاستصرخت فوثب رجل من المسلمين فقتل اليهودي فشدت اليهود عليه فقتلته و حينها عيل صبر النبي فغزاهم في حصونهم و حاصرهم وأجلاهم عن المدينة
المصدر : ابن هشام 2(47-48-49)
*132 : زاد المعاد 2(71,91) \\ ابن هشام 2(47-48-49)
*133 : كعب بن الأشرف شاعر اليهود الذي هجا الرسول – صلى الله عليه و سلم – فانتدب له عصبة من المسلمين فقتلوه و عادوا برأسه , فسمع اليهود بمقتل طاغيتهم فدب الرعب في قلوبهم وتفاصيل هذه الحادثة المختصرة في المراجع التالية :
ابن هشام 2(51 وحتى 57) \\ زاد المعاد 2(91) \\ صحيح البخاري 1(341-425) و 2(577) \\ سنن أبي داود مع عون المعبود 2(42-43)

تعليق عبر الفيس بوك