شهيد الواجب

 

مدرين المكتومية

 

تابعنا بألم تلك الحادثة التي راح ضحيتها أحد أفراد شُرطة عُمان السلطانية، شهيدًا في مُقتبل العمر مؤديا مسؤولياته الموكلة إليه دون خوف من الموت، ذهب ليفدي بجسده أرواح الناس من حوله، كان يؤدي مهمته بشجاعة يفتقدها الكثيرون في مثل عمره، لذا حق له علينا أن نذكره ونردد اسمه بفخر واعتزاز (العريف سعود بن سعيد بن سعود الرواحى)، فهذا الشاب لم يواجه مجرما عاديا يعرف قدر الشرطة وهيبتها لكنه واجه شخصا فاقدا للعقل.

والمشكلة الأكبر أنَّ الشرطي بالطبع لم يكن يعلم ذلك فذهب إليه كما يجب أن يتصرف الشرطي في مثل هذه المواقف؛ ليُفاجأ بهذا المختل عقلياً يرفع عليه سكينا ويطارده، وهذا الموقف لا يُمكن لأي شخص لم يعشه أن يقيمه أو يحكم عليه، في كل مكان تعتمد الشرطة على هيبتها وحقها في توقيف المجرمين ويصبح عدم الامتثال لأوامر الشرطة جرما في حد ذاته، لكن ماذا لو أنَّ الشخص "مختل عقليا".

وهنا يكبر السؤال الذي مازال حتى الآن بلا إجابة: كيف يسير مختل عقلي في شوارعنا ويدخل أسواقنا بلا رقيب؟ بل ويحمل معه شهادة على اختلال عقله، وكأنها تصريح بارتكاب ما يشاء من جرائم، هذا السؤال ألحَّ عليَّ وأنا أفكر في شهيد الواجب وكيف سيكون القصاص له.

يُقال إنَّ العسكرية تعلم الناس الكثير من الأشياء في الحياة، وأهمها الانضباط والمسؤولية والقيام بواجب خدمة المجتمع والحفاظ على الوطن، ولكن أن يعرض الإنسان نفسه للموت دفاعا عن حياة الآخرين فذلك يضيف إلى رصيد الشجاعة التي قد يدعيها البعض لكنه يتخلى عن القيام بها عند مواجهة المواقف.

ولا يخلو تقرير دولي عن السلطنة في أي قطاع من القطاعات إلا ويذكر ميزة تمتع السلطنة بالأمن ولكن أحياناً ما ننسى أنَّ هذه الميزة يقف وراءها جهد من أبناء وبنات عُمان المخلصين، ومنهم ذلك الشاب الذي كان يقوم بمسؤولياته متناسياً كل شيء لأجل أداء عمله، وبالعمل أثبت رجال الشرطة على مدى عقود من الزمن أن مسؤولية أن ينعم المواطن بالأمن والأمان والسلام في قمة أولوياتهم، فنجدهم في كل المحافل في المُقدمة.

وعلى الرغم مما يتكبده الشرطي لأداء مهامه الصعبة فإنِّه لا يتقاعس عنها أبدا، فيتنقل بين الولايات والمحافظات، ويتعرض لتدريبات قاسية، وتظل حياته معرضة للخطر لأنها مرتبطة بحياة الآخرين من حوله.

هؤلاء الجنود المخلصون للوطن، دائمًا موجودون في أحلك الظروف يعانون أحياناً لأجل سلامة المواطن حتى ولو  كان هذا المواطن هو الذي يلقي بنفسه في المخاطر، ففي الأنواء المناخية على سبيل المثال هناك من يعرضون أنفسهم للمخاطر بالدخول في الأودية والبعض الآخر قد يقع في الخطر لأسباب خارجة عن إرادتهم، لكن في كل الأحوال لا يتردد الشرطي للحظة في الدخول وإنقاذ من يحيطه الخطر حتى لو كان ذلك في وسط تيارات مائية جارفة، صيفاً أو شتاء، صباحا أو مساء، دائما هناك الشرطة تؤمن الناس وتحميهم.

ولا ننسى المرابطين في الشوارع تحت أشعة الشمس لتنظيم السير وتقديم العون في لحظات الازدحام الخانق، ولا يلتفت البعض إلى أن أفراد الشرطة أيضًا لديهم كما لدى كل مواطن أسرة ومناسبات عائلية وغيرها ولكنهم يضعونها في المرتبة التالية عند نداء الواجب، وأعرف شرطياً كان ينتظر مولوده الأول في يوم تصادف مع مناسبة تحتاج تأمين الشرطة، ولم يتردد الشرطي الشاب في تحديد الأولوية فلبس زيه الوطني وشارك زملاءه في أداء الواجب، وخلال العمل جاءته البشرى بالمولود وهو في مكانه يؤدي عمله، هذا ما قد يتناساه الكثيرون، إن الشرطي مواطن يحتاج أحياناً للدعم المعنوي بالتحية والشد على الأيدي.

وعلى مختلف الأصعدة لم تكتف الشرطة بتقديم ومد يد العون للأشخاص والمجتمع بل قامت أيضاً بتقديم كل الاحتياجات والمساعدات من خلال العمل على تبسيط الإجراءات وتسهيل المعاملات وتسريعها للمواطن، من خلال قيامها باستخدام النظام الإلكتروني في الكثير من المعاملات مما سهل على المواطن إنجاز معاملاته في وقت قياسي.

 

madreen@alroya.info