نقد النقد

مدرين المكتومية

هناك الكثير من الأشخاص الذين يعيشون الحياة رغم كل الصعوبات والتحديات التي تقف عائقاً أمام نجاحاتهم أو استكمالهم لمحطاتها، وبين هذا وذاك، الكثير من هؤلاء الأشخاص يواصلون المضي في طريقهم محاولين الصمود، والأمر ليس سهلاً أبداً بل هو أشبه برحلة بناء تحتاج إلى وقت طويل حتى يكتمل المشروع وتظهر عناصره بأعمدته وطوابقه وملحقاته، ليُصبح من حقه أن يزهو بما قام به من إنجاز يراه كل من حوله بعيون الإعجاب.

لكن ترى ماذا يفعل هذا الشخص إذا وجد من يمسك بمعول ليهدم مابناه بعرقه وسهره؟ ماذا يفعل بينما المعول يهوي فيهدم ويهدم حتى يتحطم البناء؟

قد تكون كلمات النقد المكتوبة المكونة من عدة حروف مثل هذا المعول في يد صاحبه، الذي قد ينتهي إلى تسوية البناء بالأرض، خاصة إذا كان هذا النقد بعيداً عن المهنية والاحتراف، إذا كان نقداً من أجل القيام بوظيفة النقد ليس إلا.

 عندما تحقق نجاحاً كبيراً في الحياة ستجد نوعين من النقاد، الأول يحبك ويسعى إلى مساعدتك كي تنجح أكثر، فيقودك بتوجيهاته وملاحاظته إلى اكتشاف المزيد من القوة، والتخلي عن مناطق الضعف والنقد دائمًا ما تتبعه النصائح، وهناك ناقد يقف أمام نجاحاتك ويُحطمها بكل سهولة، وكأنه يمسك بقصة نجاحك ويلقي بها على الأرض فتتحطم مثل الزجاج، وهؤلاء كثر، إما أنهم يغارون مما أنت فيه، أو ربما لا يمتلكون الطاقة والقدرات التي تمتلكها أنت، حينها يكون الحل السهل هو إيذاؤك بطريقة أو بأخرى ليكونوا شاهدين على تدهور حياتك وانطفاء شعلة الحماس التي تُميزك.

صحيح إن النقد أمر لا يُمكن الاستغناء عنه في الكثير من مناحي الحياة وشؤونها ولكننا أيضا بحاجة إلى نقد بناء، نقد يجعلنا نقف أمام العثرات ونسجل ونسطر نجاحاتنا النجاح تلو الآخر، نحتاج لنقد يجعلنا نتجاوز عمن أساء لنا ويغير مسارات حياتنا إن كان الأمر يحتاج إلى تغيير لنسجل نقاط الفوز ونرفع رايات النجاح بكل فخر واعتزاز.

هذه الحياة التي نعيشها هي نفسها الحياة التي كنَّا نُعاني من تقلباتها، ونعاني من أشخاص كثر أسقطناهم من ذاكراتنا الواحد تلو الآخر لأنهم لم يكونوا جديرين بأن نكمل بهم مشوارنا ، المشوار الذي كنا ندفع فيه ثمن النجاح الذي ننعم به اليوم، فالبرغم من وجود المسيئين إلا أن أسوأهم من كنا نظنه رفيق الدرب ولكنه ببساطة كان عدو النجاحات التي نعيشها، عندما يكون الناقد هو نفسه القريب الذي نحب، وهو نفسه الشخص الذي يشوه صور نجاحاتنا أمام الآخرين هنا تكمن المأساة، التي لا يمكن تناسيها أو التغاضي عنها لأنه ببساطة كان "رفيق" ولكنه أصبح "عدو" في لحظة بسيطة.

عندما يحدث ذلك تأكد أن هناك الكثير من الأقنعة قد سقطت، والكثير من الحقائق ستكشف، والكثير من الأشخاص سيغادرون محطات حياتك على أول قطار يمر بهم، لأنهم وبسهولة لا يمكنهم الوصول لما أنت فيه ولا عليه، ولا يمكنهم أيضاً تحقيق جزء مما حققته أنت، ولكن لو وضعنا هؤلاء الأشخاص بنفس الموضع الذي وضعت أنت فيه، هل كانوا سيتحملون مصاعب الوصول للقمة بكل تضحياتك لها...؟ بالطبع لا، لأن هذه الفئة بالذات تقتات على نجاحات الآخرين وتريد أن تصل دون أي جهد يبذل، لذلك يمتلكون صوتًا واحداً ليحبطوا الناجحين به وهو "النقد" الذي يأتي في غير محله، ودون حلول ونصائح تتبعه.

 

madreen@alroya.info