على مقصلة عامٍ جديد

مسعود الحمداني

تمضي الشمس إلى مستقرها، لا الليلُ ليلٌ، ولا النهارُ نهارُ، والخَلْق في غربة الكون غارقون، يضعون الموت في أحشائهم، ويودعون الأيام بفرح، يا لتعاسة الإنسان الذي يفرح باقترابه من القبر!!

ملهاة هذا الزمان تتكرر، فتنته الأزلية، القتل بدم بارد لا يعرف المعنى الحقيقي للحياة، إنه يرى أن الكون لا يتسع لسواه، لذلك يتخلص من الأشياء الزائدة التي تكتظ بها الأرض، فيقتل لأجل القتل مرة، ولأجل الحياة مرة أخرى.

ملايين البشر في العراء دون مأوى، ملايين منهم دون مأكل ولا ملبس، ملايين منهم معرضون للموت وللدمار، وفي الضفة الأخرى بضع مئات من يملك نصف أموال البشر، بضع مئات من يتحكم في هذه "الكرة" بمهارة لاعب، وجشع تاجر، بضع مئات فقط هم من يتسيدون النصف الآخر، ولا عزاء للمنبوذين والعراة والعطشى والجوعى من العالم.

عام يمضي في طريقه مثقلا بالحزن، يتقاسم رغيف أملٍ -بل نصف رغيف أو ربعه- مع العام الذي يليه، يسلِّمه تركة ثقيلة حبلى بالألم والمآسي، غارقا في دوامة من الدم الطفولي الباهت، وعابرا قارات الموت، والحياة معا.. إنه يتجه إلى البؤرة الغامضة التي لا يراها أحد.

عام ترك خلفه الأزمات الثقال، وأوغل في التمنيات العظام، لكنه نسي أن الكون كله لا يسير بقطب واحد، وأن المجرات لم يتم اكتشافها بعد، وأن اللانهايات لن تأتي دون بدايات الهلاك، هكذا يسير العالم رويدا رويدا نحو ثقبه الأسود، ليبتلع معه كل ما صنعه الإنسان منذ نشأته وحتى هلاكه.

شجرة الميلاد المعلقة في رام الله ما زالت تتساءل بدهشة عن المكان الذي سيأتي منه السلام، لقد باع العرب شجرة ميلادهم، وتوارثوا أشواكها، وجلسوا على رأسها المكسور ليقتسموا إرثا تليدا ما استطاعوا أن يحافظوا عليه، لقد قضي عليه بأيديهم لا بيد عمرو.. وها هم اليوم يبكون ما جنته أيديهم على أنفسهم.

سيرحل عام، ويأتي عام يحمل في أيامه الغرائب، والعجائب كمغارة علي بابا التي نسمع عنها في الحكايات، ولم يبحث عنها العرب؛ لأن روح المغامرة انتهت لديهم، وأصبح أكبر همهم البحث عن ذبح الأقربين الذين يزاحمونهم في المكان، إنهم يطبقون مقولة اليهود الذين توعدوهم ذات يوم بأن يلقوا بهم في النهر، لقد كفى العربُ اليهودَ حلمهم، وانتهى الأمر.

عام آخر معلَّق على مشجب الأمنيات، يحلم فيه الإنسان بغدٍ أفضل، ولكنه في نفس الوقت يصنع عالما سيئا لا مكان فيه للعيش والحياة، إنه يشعل الحروب ويموِّلها ثم يطالب بإطفائها، ويغرس الكراهية في النفوس ثم يطالب بالتسامح، ويبتز البسطاء ثم يطالب بحقوق المرأة والطفل، ويصنع الأسلحة ثم ينادي بعالم خالٍ من الأسلحة، ويلوث الهواء ثم يصرف مليارات لتنظيف البيئة.. إنه الإنسان جملة من المتناقضات التي لا تنتهي، ولا يمكن التحكم بها.

غدا.. ينتهي 2017م، وسيبدأ مولود جديد بكتابة التاريخ، غدا.. ستسقط من روزنامة الأيام ورقة أخرى ولكن العالم لن يتغير، وسيظل الكون يقترب خطوة أخرى من نهاياته، وسيظل الإنسان في غفوته، وغفلته، حتى تدق ساعة النهاية المحتومة، وينتهي التاريخ بكل تفاصيله وأحداثه ومآسيه.

غدا.. أمر آخر، وإنَّ غدا لناظرهِ قريبُ.

Samawat2004@live.com