أحلام وصدمات

مدرين المكتومية

لكل فتاة مجموعة من الأحلام ربما تبدأ بفستان الزفاف وليلة عرسها، ثم تحلم بطفل يحمل ملامحها وملامحه، يملأ حياتها لعباً وضحكات، تهدهده وتعلمه وتلبسه وتطعمه وتعده محور تركيزها في الحياة.

تلك المرأة هي التي ظلّت تحلم طويلا حتى تحقق حلمها، فلبست الأبيض وزفت لمنزلها بالورود، وحملت بطفلها الذي انتظرته تسعة أشهر كاملة وعانت أشد المعاناة حتى أنجبته طفلا جميلاً.

فجأة تكتشف أنّ القدر أراد لها أن يكون الطفل غير قادر على النطق أو السمع وأيضا يعاني من تأخر في النمو مما جعلها بجانب كل الواجبات التي على عاتقها تتحمل مسؤولية طفل نطلق عليه وفق مصطلحاتنا الحديثة: من ذوي الاحتياجات الخاصة.

تلك الأم هي نفسها التي كانت تنسج من الأحلام واقعا، على الرغم من المشكلة التي يعاني منها طفلها إلا أنها كانت تختار له الملابس الجميلة وتخرجه في تلك العربة التي تجرها في كل مكان عندما يكون في سنواته الأولى، إلا أنّها ذات العربة التي تجر بها طفلها الذي تجاوز السابعة من العمر، وهي تتهرب من نظرات الناس، وتستعين بالصبر والابتسامة.

تواصل الهرب لتفلت من تلك السياط التي تلهب روحها وهي تسمع بعض الكلمات التي تُلقى على مسامعها، كأنّ حياة هؤلاء الأطفال قصيرة، وأنها سترتاح منه قريباً، تحبس الدموع في عينيها وتكتم ألم قلبها وترد بابتسامة مليئة بالحزن وكأنّها ترد عليهم بشجاعة: تجازي "ابني يا جماعة".

هي الأم ولا مزيد..

يمتلئ قلبها عطفاً وحباً لهذا الطفل البريء الذي تصطحبه أينما ذهبت، وهو يطالع ما يجري ويركز فيما يراه، ولا يدري ماذا يدور حوله، قبل أن نقول: يكفيها ويكفيه الاختباء في المنزل حيث يقدران على احتواء أحزانهما بين جدرانه.

هؤلاء كالملائكة يأتون إلى الحياة بصمت ويرحلون منها بصمت أيضا، كتب عليهم أن يتذوقوا مرارة الحياة فقط، ولا يدركون طعم ملذاتها ونعيمها ولا يقدرون على ذلك لأنه كتب عليهم أن يكونوا مختلفين قليلا عنا، فقد حرمهم الله من بعض حواسهم رغم ما منحه إيّاهم من مزايا وأحاسيس تفوق قدراتنا نحن الأصحاء.

أن يكون الإنسان من ذوي الاحتياجات الخاصة هذا لا يعني أنه عالة على مجتمعه أو عالة على أفراد أسرته بل على العكس قد يكون أفضل بكثير من ابن صحيح غير بار بعائلته.

يُقال إنّ هؤلاء الأشخاص يأتون للحياة لندرك نحن الذين نتمتع بالصحة والعافية وكمال الخلق كم نحن محظوظون بما نمتلك وما منّ به الله تعالى علينا من نعم.

لا تكمن المشكلة فقط فيما يسببه هذا النوع من الأطفال من ألم للأم وللأب وحزن وغصة في الحلق لا تذهب، وإنما أيضا تتجسد المشكلة عندما يصبحون عرضة للمتاجرة، أو مصدراً للتكسّب، ويظل يشقى طوال حياته لأن أفراد أسرته وجدوا فيه كل الصفات التي تجعله بابا من أبواب الرزق، فيظل الطفل يعاني منذ الولادة وحتى ساعات الرحيل الأخيرة.

لا ننكر أنّ هناك جمعيّات ومؤسسات تحتضن هؤلاء الأطفال لكن أيضًا هناك عائلات تدفع ما تمتلكه من أموال وطاقة ومشاعر لأجل ألا ترى دمعة حزن تعلو وجه ابنهم أو أن يسكنه الألم، وفي أحيان كثيرة تكون هناك عائلة تقتات من ألم طفلها المسكين، فعلينا أن ندرك جيداً تصرفاتنا ونراعي كلماتنا عندما نرى حالة كهذه، لأننا لا ندري كم تعانيه الأم وحتى الابن من أجل طفل يحبونه ولكنهم يظلون معلقين بخوف الفقد.

madreen@alroya.info