تحدث عن "عولمة القهر".. وأكد أن العرب والمسلمين تعرضوا للإهانات

جلال أمين: فُتنت بهدوء الشخصية العُمانية وتصالحها مع الذات

 

القاهرة - العمانية

أعرب المفكر الاقتصادي المصري د.جلال أحمد أمين، عن سروره وشعوره بالامتنان لحصوله على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، فرع الدراسات الاقتصادية.

وقال د. جلال لوكالة الأنباء العُمانية: "مبعث سروري أن الجائزة تأتي من سلطنة عُمان التي لها في نفسي ونفوس العرب جميعاً التقدير الشديد، وأشعر بالفخر لاختياري من بين عدد من المرشحين في فئة الدراسات الاقتصادية". وأشار إلى أن هذه الجائزة لها طابعها المميز، ففضلاً عن قيمتها المادية المرتفعة، لها قيمتها المعنوية لما تتسم به من حياد وعدم تحيّز.

وأبدى د.جلال إعجابه بالشخصية العمانية، بعد أن أتيح له الاحتكاك بها خلال زيارته للسلطنة مؤخراً لتسلّم الجائزة. وقال: "الحكم على شخصية أمةٍ ما ليس أمراً سهلاً، ويحتاج إلى إقامة أطول، لكني أستطيع القول إنني فُتنت ببعض سمات الشخصية العُمانية؛ لما رأيت فيها من هدوء وتصالح مع الذات، لم أجدهما في مكان آخر".

ولفت د.جلال إلى أنه بصدد إنجاز كتاب جديد بعنوان "ماذا علمتني الشيخوخة"، على غرار كتابه "ماذا علمتني الحياة"، مؤكداً أنه مشروع لا يزال في بدايته، وأنه لا يستبعد أن يتجاوز الطابع الشخصي فيه، ليرصد التغيرات التي طرأت على أفكاره فيما يتعلق برؤيته للديمقراطية والحداثة وغيرهما.

ويعدّ كتاب "ماذا حدث للمصريين" أشهر كتب د.جلال، إذ رصد فيه التغيرات الطبقية والثقافية والقيمية في المجتمع المصري على مدى نصف قرن، لا سيما مع تحول المجتمع من ثقافة الإنتاج إلى الاستهلاك، ومن الادخار إلى المبالغة في البذخ لإظهار أن هناك نوعاً من الرقي في السلّم الاجتماعي قد حدث للفرد.

وقال د.جلال إن هذا الكتاب حقق نجاحاً كبيراً، لأنه لامس مشاعر الناس وعبّر عمّا يدور في دواخلهم وتتبّع التحولات الطبقية التي جرت لهم، ذلك أن الصورة كانت أشبه بـ"عمارة كبيرة قرر سكان أدوارها العليا النزوح إلى الأدوار السفلى؛ بينما قرر سكان الأدوار السفلى النزوح إلى الأدوار العليا، وبينما الكل ينتقل بأولاده وأطقم ملابسه ومحتويات منزله، تَقابلَ الجميع على السلالم.

ولفت إلى أنه في مسألة أعراس الزواج على سبيل المثال، كان يكفي في الماضي أن يمتلك الشخص حديقة بسيطة حتى يقيم فيها الفرح أو ربما يقيمه فوق سطح المنزل أو في الشارع؛ بينما اليوم تغير مكان الفرح إلى الفنادق، ويجب على (العريس) أن يُظهر البذخ، وأن يثبت للجميع أنه ارتفع اجتماعياً إلى أعلى مستوى ممكن في السلّم الاجتماعي إلى درجة إحضار أغلى الأشياء؛ ليس لأنه يحتاج إليها، ولكن لمجرد أن الجميع يعرف أن هذه الأشياء هي أغلى ما في السوق.

وأرجع د.جلال هذه التحولات الطبقية الكبيرة إلى التوسع في التعليم منذ منتصف القرن الماضي وتطبيق المجانية والسياسة الناصرية؛ فانخفضت المراكز الاقتصادية للأرستقراطية الزراعية والصناعية وارتفع المستوى الاقتصادي لطوائف واسعة من مستأجري الأرض وأصحاب المهن، علاوة على أن ارتفاع معدل التضخم أدى بدوره لارتفاع أسعار أراضي البناء واستفادة طوائف واسعة من الحرفيين.

وأوضح أن المجتمع شهد أيضاً محاولة تقليد الأقل دخلاً للأعلى دخلاً في نمط المعيشة، رغبة من الشخص في الانتماء لطبقة أعلى، فانتشرت الرموز الطبقية، كالإصرار على اقتناء سيارة خاصة أو جهاز هاتف معين لتأكيد الانتماء لطبقة أعلى. وكشف  أنه استفاد كثيراً من والده أحمد أمين صاحب المؤلفات الشهيرة "فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" و"ظهر الإسلام"، لا سيما في رؤيته لتأثير البعد الاجتماعي على سلوك الفرد.

وقال د.جلال في هذا السياق: إن والده كان عالماً ومؤرخاً كبيراً ورجلاً حكيماً، وكان من سمات الحكمة عنده أنه كان يعلّق أهمية كبيرة على أثر تطور الظروف الاجتماعية على سلوك الناس وأفكارهم، لهذا كان يرى ضرورة الاجتهاد في تفسير الدين، أي ضرورة أن يواكب تفسير قواعد الدين هذا التطور في الظروف الاجتماعية. وأضاف بأن والده كان يرى بضرورة عدم إقحام الدين في السياسة، باعتبار أن ذلك يفسد السياسة والدين على السواء، وإن كان الأمر يتطلب أن يتحلى السياسيون بالأخلاق التي تدعو إليها الأديان السماوية.

وأوضح د.جلال في هذا الكتاب أن تحوله إلى التعاطف مع الدين جاء بعد أن عاش في الغرب ولاحظ الخواء الروحي هناك. ويتساءل: ماذا كان سيكون شعور أبي لو علم أن واحداً من أحفاده سيكسب رزقه من الغناء بالإنجليزية، أغانٍ تروج لصابون أمريكي شهير في واحدة من القنوات العربية؟!

ورأى د.جلال أن العولمة تبدو حالياً في أبشع صورها؛ لذا وصفها في أحد كتبه بـ"عولمة القهر"، فمنذ الحادي عشر من سبتمبر 2001م وقعت أحداث خطيرة أدت إلى تغير صورة العالم بأسره، وتعرض العرب والمسلمون على إثرها لحملة من الإساءات والإهانات، فضلاً عن القتل بالقنابل، وعلى الأخص في افغانستان وفلسطين، ما لم يعرف العرب والمسلمون له مثيلاً في تاريخهم الطويل، وعلى نحوٍ ينبئ باستمراره لفترة طويلة في المستقبل، وخلال هذا كله بدت ظاهرة "العولمة" في صورة أبشع بكثير مما كانت تبدو من قبل، مما يجعل من الملائم وصفها بـ"عولمة القهر".

تعليق عبر الفيس بوك