عبيدلي العبيدلي
تفصلنا مسافة زمنية قصيرة عن موعد الترشح لانتخابات مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين. فقد "أعلنت الغرفة عن تحديد تاريخ 10 مارس 2018، موعداً لانتخابات الدورة 29 لمجلس إدارتها، فيما سيتم تحديد مكان انعقادها خلال الفترة القريبة المقبلة".
وكما جاء على لسان رئيس لجنة الانتخابات جاسم عبدالعال فإنّ "اللجنة ستواصل عقد اجتماعاتها، وستدرس تجارب الانتخابات السابقة للاستفادة من أوجه القصور التي قد تكون وقعت ولتلافي أية إشكالات في الانتخابات المقبلة". وفي ذلك إشارة واضحة لما عانته الانتخابات السابقة من أوجه قصور لم يعد ف الإمكان إخفائها، أو حتى السكوت عنها.
ولمن تابع انتخابات الغرفة خلال الدورات الأخيرة الماضية يلمس بعض جوانب ذلك القصور الذي نوه له عبد العال. وحرصًا على الموضوعية، ينبغي الابتعاد عن تشخيص هذا التراجع في فرد معين، مهما بلغ المنصب الذي تبوأه في مجلس إدارة الغرفة، فالتراجع، يكشف فيما يكشف عن قصور ملحوظ يُعاني منه مجتمع رجال الأعمال البحريني، عندما يتعلق الأمر بالدور الذي يفترض أن يمارسوه، في نطاق مسؤولية الغرفة الاقتصادية والسياسية والمجتمعية.
والحق يقال هنا، وإنصافاً لدور ذلك المجتمع، إنه في الثلاثينات من القرن الماضي، عندما تأسست الغرفة، وعلى امتداد العقود القليلة التي تلتها، كان للغرفة، من خلال مجلس إدارتها دور مميز وملموس ترك آثاره الواضحة على مسار العمل المجتمعي البحريني، بشقيه الاقتصادي والسياسي، لكن ذلك الدور شهد تراجعًا ملحوظًا، خلال العقود الأخيرة، همش من الحضور السياسي، بل وحتى الاقتصادي للغرفة.
ومرة أخرى، وانطلاقاً من الحرص الشديد على تحاشي شخصنة ذلك التراجع، فمن الخطأ هنا إلقاء اللوم على أي ممن شاركوا في الانتخابات أو وصلوا إلى مناصب قيادية في المجالس المتعاقبة التي تمخضت عنها. إذ تقف وراء ذلك التراجع مجموعة من العوامل الموضوعية، لعل الأبرز بينها، والأكثر تأثيرًا هو تحول المجتمع البحريني، إثر اكتشاف النفط، وأكثر تحديدا بعد الفورة غير المسبوقة في ارتفاع أسعاره، وتراكم فوائض نقدية في أيدي الدولة، من مجتمع تقليدي، يتحصل إنتاجه من دورة إنتاجية منطقية تفرز مجتمعا تجاريا ديناميكيا له كلمته في مسار الأحداث، إلى اقتصاد ريعي تسيطر عليه عناصر الخمول ويفرز فئات اجتماعية، تزداد طفيليتها، كلما ارتقت مكانتها في سلم التراتب المجتمعي.
لكن من الخطأ القاتل الاستسلام لهذا العامل الموضوعي، والقبول بما يفرزه من ظواهر مجتمعية وسياسية، تترك بصماتها الواضحة على المشهد البحريني، ومن ضمنه فصول انتخابات الغرفة.
ومن كانت له صلة قريبة بعض الشيء بانتخابات الغرفة، بوسعه تلمس بعض أوجه القصور الذي أشار إليه رئيس لجنة الانتخابات جاسم عبدالعال، ويمكن رصد أهم معالمه في النقاط التالية:
1. خسارة الغرفة لنسبة عالية من استقلاليتها عن الدولة، حتى تقلص هامش هذه الاستقلالية فكاد أن يقترب من الصفر. مما أضعف الغرفة وهمش قدرتها على القيام بالدور الذي يفترض فيها ممارسته، على الصعد كافة، وفي مقدمتها حضورها الملموس، كي تقول كلمتها المسموعة في الاقتصاد الوطني. والمقصود هنا بناء جسور من الاحترام والاعتراف المتبادلين بين الغرفة ودوائر صنع القرار الاقتصادي في البحرين.
2. تهميش ذاتي للحيز السياسي الذي يفترض أن تشغله الغرفة من خلال ممارستها لشكل راق من أشكال العمل السياسي. ليس المطلوب هنا تحول الغرفة إلى جمعية سياسية، تنحرف عن ممارسة دورها كمنظمة مجتمع مدني تدافع عن رجال الأعمال وتحمي مصالحهم، لكن بالقدر ذاته، من غير المنطقي أن تتحاشى الغرفة أن يكون لها من يُمثلها في المشهد السياسي، وتحديدا في غرفتي المجلس الوطني: الشورى والنواب. فالموازنة الصحيحة بين المهنية والعمل السياسي بأشكاله الراقية تعطي الغرفة ثقلها في الميدان الاقتصادي، ولا تحرمها من حقها في المجال السياسي.
3. فشل الغرفة في تحصين نفسها ضد جرثومة الانحيازات الطائفية التي فتكت بالمجتمع البحريني برمته، وكان حريا بها، وهي التي تزخر بنسبة عالية ممن يتمتعون بخلفية ثقافية متينة، ومكانة مجتمعية مرموقة، أن تمارس دورا إيجابياً في التصدي للفكر الطائفي، بدلاً، وهذا ما حصل، من أن تكون حاضنة له، وغرفة تفريخ للمهاترات التي رافقته، وعلى وجه التحديد خلال الدورات الانتخابية الأخيرة. وقراءة سريعة لأسماء أعضاء مجالس إدارة الغرفة خلال الثلاثينات والأربعينات، ومقارنتها بالمجالس الأخيرة، تكشف مدى التدهور الذي عانت منه المجالس الأخيرة عند الحديث عن موضوع الطائفية.
4. الآلية التي تسير عملية الانتخابات والتحشيد الذي يرافقها، والتي تفتقد إلى أبسط معايير وسائل نسج التحالفات، وبناء الكتل الانتخابية. ولو حاول من يترشح دراسة تجربة الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، فسوف يكتشف كم هي غنية عندما يتعلق الأمر ببناء الكتل الانتخابية، ونسج التحالفات بين مختلف القوى السياسية. مرة أخرى ليست هذه دعوة مبطنة للإمعان في تسييس انتخابات الغرفة، بقدر ما هي استحضار إيجابي لتجربة انتخابية بحرينية خالصة، خاصة وأن العديد من المترشحين، كانوا أعضاء في الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، أو راقبوا مسيرته.
الفرصة اليوم، أمام نجاح مجلس إدارة تتوفر فيه المواصفات التي تحتاجها الغرفة، ويتحلى أعضاؤه بما تتطلبه المهام التي في انتظار من سيصعدون إلى مقاعد ذلك المجلس، بفضل القانون الذي ربط شرط استخراج السجل التجاري، ومن ثم نيل الحق في ممارسة الأنشطة التجارية ذات العلاقة، بالانتساب إلى عضوية الغرفة. ففي هذه العلاقة الشرطية ضمان للتأسيس لارتباط مصلحي، بالمعنى الإيجابي لمصطلح "مصلحة"، وإن كانت بشكل أولي، وفي مراحلها الجنينية، بين التاجر والغرفة.
وهذا بدوره يفسح في المجال أمام الغرفة كي تتشافى من الأعراض السلبية التي أشير لها أعلاه، وفي المقدمة منها توسيع هامش استقلاليتها، الأمر الذي يتيح لها رفع صوتها كي يكون له الدوي المطلوب، في رسم معالم مجتمع تكون لمجتمع الأعمال كلمته المسموعة فيه، والمبنية على رؤية سليمة، عندما يتعلق الأمر بهيكلة الاقتصاد، أو بناء مسرح العمل السياسي، أو التوظيف السليم لتشييد أسس راسخة لهيكل مكونات مجتمعية منتجة.
الغرفة اليوم أمام مسؤولية تاريخية ليس من حقها التنصل منها، وليس من المنطقي للمترشحين الجدد الهروب من مواجهتها وبالشجاعة المطلوبة، إن شاءوا أن يكون لهذا الصرح العريق مكانته التي يستحقها، وبجدارة.