انتفاضة فلسطين تهزم واشنطن في مجلس الأمن

 

عبيدلي العبيدلي

كما تابع الجميع "نال مشروع القرار المصري في مجلس الأمن الدولي بشأن القدس 14 صوتاً من جملة 15، وصوت لجانبه أربعة من الأعضاء الدائمين في المجلس، وهم روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا".

وعلى نحو مواز، وتعبيرا عن الهزيمة التي لحقت بدولتها "قالت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي، إن بلادها استخدمت الفيتو دفاعاً عن دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ودورها في عملية السلام. ورفضت هايلي الاتهامات بعرقلة الولايات المتحدة لعملية السلام. واعتبرت المندوبة بعد استخدامها الفيتو لمنع اعتماد مشروع القرار المصري أن العملية مثال جديد على تسبب الأمم المتحدة بالضرر أكثر مما تتسبب بما هو مفيد في التعامل مع الصراع الفلسطيني".

إذا ما قيمنا نتيجة القرار، وما سبقه من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المُتعجرف بنقل سفارة بلاده إلى القدس، بمقياس محايد يقوم على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة والمعترف بها دوليا، ففي إعلان ترامب تجاوز واضح يعكس استمرار واشنطن في دعم المشروع الصهيوني، في العلن قبل الخفاء، وحرصها الشديد على، بفضل مجموعة من العوامل التي لا يقبل بها الضمير الإنساني، ضمان أمن الكيان الصهيوني، والدفاع عنه، دون وجه حق، كلما أمكنها ذلك.

لكن نظرة أخرى لموازين القوى داخل المؤسسة الدولية، وتوزيعها في مجلس الأمن الدولي، تحمل في أحشائها مؤشرا قويا على تراجع النفوذ الأمريكي داخل هذا المجلس، وعدم استطاعتها الاستمرار في تجيير قراراته لصالح مشروعاتها، ضاربة عرض الحائط بكل مقاييس العلاقات الدولية في المؤسسات العالمية.

فأن تقف واشنطن عارية وظهرها مسنود للحائط أمام رفض 14 دولة عضوة في المجلس، واضطرارها للجوء، وحيدة معزولة، لاستخدام حق النقض "الفيتو"، يحمل الكثير من التحول لصالح الطرف الفلسطيني في مسيرة الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي الممتد لما يزيد على نصف قرن منذ الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين.

ثم استطراد المندوبة الأمريكية نيكي هيلي، كي تكيل اتهاماتها للمنظمة الدولية معتبرة إياها سبباً يضر "أكثر مما هو مفيد في التعامل مع الصراع الفلسطيني"، فيه الكثير من الانفعال وعدم التوازن المطلوب من دولة عظمى تتكلم في محفل دولي. ومن ثم فمن المنطقي القول بأن واشنطن، إذا قيمت النتائج من طرف واحد هو الأمريكي، تعرضت لهزيمة سياسية في ساحة صراع دولية. إذ لم يقف إلى جانبها حتى حليفها التاريخي في مجلس الأمن والذي هو بريطانيا، ذات التاريخ الطويل من العلاقات الحميمة مع الكيان الصهيوني.

لكن طالما أننا نتحدث عن موازين القوى، عندما نتناول الصراع الفلسطيني –الصهيوني، فمن الضرورة بمكان زيارة مكامن القوة التي يتمتع بها الطرف العربي، عموما، والفلسطيني على وجه الخصوص. وهنا سنكتشف بعض الحقائق المؤلمة، يمكن رصدها على النحو التالي:على المستوى العربي الرسمي، لم تجر متابعة تلك الهزة التي عرفتها القواعد الأمريكية في الأمم المتحدة، من أجل إحكام الطوق حول عنق التحالف الأمريكي – الصهيوني، في أماكن أخرى، وعبر مجموعة من الإجراءات الأخرى. وهناك سابقة عربية في هذا المجال، في منتصف السبعينات، عندما اتفق الطرف العربي الرسمي على قطع النفط عن الدول التي وقفت إلى جانب إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، ورضخت الولايات المتحدة لما يمكن القول إنه "معقول"، بالنسبة للحق العربي في ذلك الصراع الطويل.

ليست هذه دعوة عاطفية لتكرار ما حصل حينها، بقدر ما هي إشارة إلى هزالة الموقف العربي الرسمي اليوم، الذي لم يرق إلى مستوى الحدث، وظل يراوح في مواقف أكل عليها الدهر وشرب، وأثبت الدهر عدم جدواها.

ولم يخرج الموقف الفلسطيني الرسمي عن شقيقه العربي، رغم أنه معني أكثر وبشكل مباشر عن قضيته. وقراءة متأنية هادئة، كتلك التي قام بها المناضل الفلسطيني معين الطاهر، للخطاب الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القمة الإسلامية في إسطنبول تكشف الكثير من عدم ارتقاء الموقف العربي بمجمله، في القلب منه الموقف الفلسطيني، إلى المستوى المطلوب للتصدي للحدث.

ولم يكن الموقف العربي الشعبي مختلفا عن شقيقه الرسمي، فقد اكتفى هو الآخر برفع مؤخرته، فلم يكن في وسعه رفع رأسه، مكتفياً بالصراخ والشجب والتنديد. ولم يتجاوز الأمر مظاهرة باهتة هنا، ومسيرة مفككة يائسة هناك. و"تنافخ" المثقفون العرب من كتاب وسارعوا إلى تدبيج المقالات، وإعطاء التصريحات الشاجبة، وعقد الندوات، وإلقاء المحاضرات المنددة والشاجبة، بل وحتى اللاعنة، لكنها في حقيقة الأمر الكاشفة لمدى تدهور الحركة الشعبية العربية عندما يتعلق الأمر بعلاقتها مع القضية الفلسطينية، وهو أمر لم نعهده في السابق.

وحدها الجماهير الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وعلى امتداد تواجدها تحت نيران الآلة العسكرية الصهيونية... وحدها التي هبت في انتفاضة عارمة، ما تزال مُستمرة، وتوحي بالتنامي والتطور إلى انتفاضة فلسطينية مباركة ثالثة.

قد تفشل هذه المواجهة الفلسطينية الشجاعة في قلب موازين القوى، لكنها كسابقتيها ستضيف تراكما إيجابيا، مهما كان، يضاف إلى الكفة الفلسطينية في مجرى هذا الصراع التاريخي. ومن ثم فإن كان هناك ما يقال بشأن المواجهة الفعلية الحقيقية لذلك الإعلان الأمريكي، فهو ينحصر في تلك التضحيات الفلسطينية التي لم تتوقف قبل وبعد التصويت على المشروع المصري في الأمم المتحدة.

ربما لم تهزم، كما تستحق أن تهزم واشنطن في إعلان رئيسها، وربما أيضاً ما تزال موازين القوى لصالح العدو الصهيوني، لكن ما لا يمكن تجاوزه، ولا ينبغي نكرانه، أن الفلسطينيين، وبالتضحيات التي يقدمونها، يكتبون تاريخا جديدا يزرع الأمل في نفوس من لا يزالون يؤمنون، بصدق بعدالة القضية الفلسطينية وحتمية انتصارها.

وأول طريق الانتصار تكشف عنه الصفعة التي وجهتها الانتفاضة الفلسطينية للإعلان الأمريكي في نتائج التصويت في مجلس الأمن.